قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون
قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94ولقد جئتمونا فرادى هذه عبارة عن الحشر وفرادى في موضع نصب على الحال ، ولم ينصرف لأن فيه ألف تأنيث . وقرأ
أبو حيوة " فرادا " بالتنوين وهي لغة
تميم ، ولا يقولون في موضع الرفع فراد . وحكى
أحمد بن يحيى " فراد " بلا تنوين ، قال : مثل ثلاث ورباع . وفرادى جمع فردان كسكارى جمع سكران ، وكسالى جمع كسلان . وقيل : واحده " فرد " بجزم الراء ، و " فرد " بكسرها ، و " فرد " بفتحها ، و " فريد " . والمعنى : جئتمونا واحدا واحدا ، كل واحد منكم منفردا بلا أهل ولا مال ولا ولد ولا ناصر ممن كان يصاحبكم في الغي ، ولم ينفعكم ما عبدتم من دون الله . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13724الأعرج " فردى " مثل سكرى وكسلى بغير ألف .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94كما خلقناكم أول مرة أي منفردين كما خلقتم . وقيل : عراة كما خرجتم من بطون أمهاتكم حفاة غرلا بهما ليس معهم شيء . وقال العلماء : يحشر العبد غدا وله من
[ ص: 40 ] الأعضاء ما كان له يوم ولد ; فمن قطع منه عضو يرد في القيامة عليه . وهذا معنى قوله : " غرلا " أي غير مختونين ، أي يرد عليهم ما قطع منهم عند الختان .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وتركتم ما خولناكم أي أعطيناكم وملكناكم . والخول : ما أعطاه الله للإنسان من العبيد والنعم .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وراء ظهوركم أي خلفكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وما نرى معكم شفعاءكم أي الذين عبدتموهم وجعلتموهم شركاء يريد الأصنام أي شركائي . وكان المشركون يقولون : الأصنام شركاء الله وشفعاؤنا عنده .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94لقد تقطع بينكم قرأ
نافع nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص بالنصب على الظرف ، على معنى لقد تقطع وصلكم بينكم . ودل على حذف الوصل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم . فدل هذا على التقاطع والتهاجر بينهم وبين شركائهم : إذ تبرءوا منهم ولم يكونوا معهم . ومقاطعتهم لهم هو تركهم وصلهم لهم ; فحسن إضمار الوصل بعد تقطع لدلالة الكلام عليه . وفي حرف
ابن مسعود ما يدل على النصب فيه " لقد تقطع ما بينكم " وهذا لا يجوز فيه إلا النصب ، لأنك ذكرت المتقطع وهو " ما " . كأنه قال : لقد تقطع الوصل بينكم . وقيل : المعنى لقد تقطع الأمر بينكم . والمعنى متقارب . وقرأ الباقون " بينكم " بالرفع على أنه اسم غير ظرف ، فأسند الفعل إليه فرفع . ويقوي جعل " بين " اسما من جهة دخول حرف الجر عليه في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5ومن بيننا وبينك حجاب و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هذا فراق بيني وبينك . ويجوز أن تكون قراءة النصب على معنى الرفع ، وإنما نصب لكثرة استعماله ظرفا منصوبا وهو في موضع رفع ، وهو مذهب
الأخفش ; فالقراءتان على هذا بمعنى واحد ، فاقرأ بأيهما شئت .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وضل عنكم أي ذهب .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94ما كنتم تزعمون أي تكذبون به في الدنيا . روي أن الآية نزلت في
النضر بن الحارث . وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=835915أن عائشة رضي الله عنها قرأت قول الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة فقالت : يا رسول الله ، واسوءتاه ! إن الرجال والنساء يحشرون جميعا ، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض . وهذا حديث ثابت في الصحيح أخرجه
مسلم بمعناه .
[ ص: 41 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى هَذِهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْحَشْرِ وَفُرَادَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنَّ فِيهِ أَلِفَ تَأْنِيثٍ . وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ " فُرَادًا " بِالتَّنْوِينِ وَهِيَ لُغَةُ
تَمِيمٍ ، وَلَا يَقُولُونَ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ فُرَادٌ . وَحَكَى
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى " فُرَادَ " بِلَا تَنْوِينٍ ، قَالَ : مِثْلُ ثُلَاثٍ وَرُبَاعٍ . وَفُرَادَى جَمْعُ فَرْدَانَ كَسُكَارَى جَمْعِ سَكْرَانَ ، وَكُسَالَى جَمْعِ كَسْلَانَ . وَقِيلَ : وَاحِدُهُ " فَرْدٌ " بِجَزْمِ الرَّاءِ ، وَ " فَرِدٌ " بِكَسْرِهَا ، وَ " فَرَدٌ " بِفَتْحِهَا ، وَ " فَرِيدٌ " . وَالْمَعْنَى : جِئْتُمُونَا وَاحِدًا وَاحِدًا ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مُنْفَرِدًا بِلَا أَهْلٍ وَلَا مَالٍ وَلَا وَلَدٍ وَلَا نَاصِرٍ مِمَّنْ كَانَ يُصَاحِبُكُمْ فِي الْغَيِّ ، وَلَمْ يَنْفَعْكُمْ مَا عَبَدْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=13724الْأَعْرَجُ " فَرْدَى " مِثْلَ سَكْرَى وَكَسْلَى بِغَيْرِ أَلِفٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَيْ مُنْفَرِدِينَ كَمَا خُلِقْتُمْ . وَقِيلَ : عُرَاةٌ كَمَا خَرَجْتُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ حُفَاةً غُرْلًا بُهْمًا لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ . وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : يُحْشَرُ الْعَبْدُ غَدًا وَلَهُ مِنَ
[ ص: 40 ] الْأَعْضَاءِ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ وُلِدَ ; فَمَنْ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ يُرَدُّ فِي الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : " غُرْلًا " أَيْ غَيْرُ مَخْتُونِينَ ، أَيْ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مَا قُطِعَ مِنْهُمْ عِنْدَ الْخِتَانِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ أَيْ أَعْطَيْنَاكُمْ وَمَلَّكْنَاكُمْ . وَالْخَوْلُ : مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْعَبِيدِ وَالنِّعَمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ أَيْ خَلْفَكُمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ أَيِ الَّذِينَ عَبَدْتُمُوهُمْ وَجَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَاءَ يُرِيدُ الْأَصْنَامَ أَيْ شُرَكَائِي . وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : الْأَصْنَامُ شُرَكَاءُ اللَّهِ وَشُفَعَاؤُنَا عِنْدَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ قَرَأَ
نَافِعٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ ، عَلَى مَعْنَى لَقَدْ تَقَطَّعَ وَصْلُكُمْ بَيْنَكُمْ . وَدَلَّ عَلَى حَذْفِ الْوَصْلِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ . فَدَلَّ هَذَا عَلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّهَاجُرِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ شُرَكَائِهِمْ : إِذْ تَبَرَّءُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا مَعَهُمْ . وَمُقَاطَعَتُهُمْ لَهُمْ هُوَ تَرْكُهُمْ وَصْلَهُمْ لَهُمْ ; فَحَسُنَ إِضْمَارُ الْوَصْلِ بَعْدَ تَقَطَّعَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ . وَفِي حَرْفِ
ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّصْبِ فِيهِ " لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ " وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا النَّصْبُ ، لِأَنَّكَ ذَكَرْتَ الْمُتَقَطِّعَ وَهُوَ " مَا " . كَأَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ تَقَطَّعَ الْوَصْلُ بَيْنَكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى لَقَدْ تَقَطَّعَ الْأَمْرُ بَيْنَكُمْ . وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " بَيْنُكُمْ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ ظَرْفٍ ، فَأُسْنِدَ الْفِعْلُ إِلَيْهِ فَرُفِعَ . وَيُقَوِّي جَعْلَ " بَيْنَ " اسْمًا مِنْ جِهَةِ دُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=78هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ النَّصْبِ عَلَى مَعْنَى الرَّفْعِ ، وَإِنَّمَا نُصِبَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ ظَرْفًا مَنْصُوبًا وَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
الْأَخْفَشِ ; فَالْقِرَاءَتَانِ عَلَى هَذَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَاقْرَأْ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَضَلَّ عَنْكُمْ أَيْ ذَهَبَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَيْ تَكْذِبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا . رُوِيَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ . وَرُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=835915أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَرَأَتْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=94وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَاسَوْءَتَاهُ ! إِنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ يُحْشَرُونَ جَمِيعًا ، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى سَوْءَةِ بَعْضٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ لَا يَنْظُرُ الرِّجَالُ إِلَى النِّسَاءِ وَلَا النِّسَاءُ إِلَى الرِّجَالِ شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ . وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ .
[ ص: 41 ]