[ ص: 442 ] القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28978_30412_29468تأويل قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( 43 ) )
قال
أبو جعفر : يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها ، وهو أن أعداء الله في النار : والله لقد جاءتنا في الدنيا ، وهؤلاء الذين في النار ، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله ، ووعيده أهل معاصيه والكفر به .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، فإن معناه : ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم ، وأخبر عما أعد لهم من كرامته : أن يا هؤلاء ، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها ، أورثكموها الله عن الذين كذبوا رسله ، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم . وذلك هو معنى قوله : ( بما كنتم تعملون ) .
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
[ ص: 443 ]
14667 - حدثني
محمد بن الحسين قال ، حدثنا
أحمد بن المفضل قال ، حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، قال : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ودخلوا منازلهم ، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها ، فقيل لهم : " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله " ، ثم يقال : " يا أهل الجنة ، رثوهم بما كنتم تعملون " ، فتقسم بين أهل الجنة منازلهم .
14668 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
عمرو بن سعد أبو داود الحفري ، [ عن
سعيد بن بكير ] ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
أبي إسحاق ، عن
الأغر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) ، قال : نودوا أن صحوا فلا تسقموا ، واخلدوا فلا تموتوا ، وانعموا فلا تبأسوا .
14669 - حدثنا
ابن وكيع قال ، حدثنا
قبيصة ، عن
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
الأغر ، عن
أبي سعيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43ونودوا أن تلكم الجنة ) ، الآية ، قال : ينادي مناد : أن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا .
واختلف أهل العربية في " أن " التي مع " تلكم " .
[ ص: 444 ]
فقال بعض نحويي البصرة : هي " أن " الثقيلة ، خففت وأضمر فيها ، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة ، لأن بعدها اسما ، والخفيفة لا تليها الأسماء ، وقد قال الشاعر :
في فتية كسيوف الهند ، قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقال آخر :
أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص
قال : فمعناه : أنه كلانا . قال : ويكون كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أن قد وجدنا ) ، في موضع " أي " ; وقوله : ( أن أقيموا ) ، [ سورة الشورى : 13 ] ، ولا تكون " أن " التي تعمل
[ ص: 445 ] في الأفعال ، لأنك تقول : " غاظني أن قام " ، و " أن ذهب " ، فتقع على الأفعال ، وإن كانت لا تعمل فيها . وفي كتاب الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وانطلق الملأ منهم أن امشوا ) [ سورة ص : 6 ] ، أي : امشوا .
وأنكر ذلك من قوله هذا بعض
أهل الكوفة ، فقال : غير جائز أن يكون مع " أن " في هذا الموضع " هاء " مضمرة ، لأن " أن " دخلت في الكلام لتقي ما بعدها . قال : " وأن " هذه التي مع " تلكم " هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية ، وليس بلفظ الحكاية ، نحو : " ناديت أنك قائم ، " و " أن زيدا قائم " و " أن قمت " ، فتلي كل الكلام ، وجعلت " أن " وقاية ، لأن النداء يقع على ما بعده ، وسلم ما بعد " أن " كما سلم ما بعد " القول " . ألا ترى أنك تقول : " قلت : زيد قائم ؟ ، و " قلت : قام " ، فتليها ما شئت من الكلام ، فلما كان النداء بمعنى " الظن " وما أشبهه من " القول " سلم ما بعد " أن " ، ودخلت " أن " وقاية . قال : وأما " أي " ، فإنها لا تكون على " أن " ، لا يكون " أي " جواب الكلام ، و " أن " تكفي من الاسم .
[ ص: 442 ] الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28978_30412_29468تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 43 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ ، وَرُؤْيَتِهِمْ كَرَامَةَ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَهُمْ بِهَا ، وَهُوَ أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي النَّارِ : وَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَتْنَا فِي الدُّنْيَا ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي النَّارِ ، رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ وَعْدِ اللَّهِ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرُسُلِهِ ، وَوَعِيدِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ وَالْكُفْرِ بِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَنَادَى مُنَادٍ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمْ ، وَأَخْبَرَ عَمَّا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ : أَنْ يَا هَؤُلَاءِ ، هَذِهِ تَلْكُمُ الْجَنَّةُ الَّتِي كَانَتْ رُسُلِي فِي الدُّنْيَا تُخْبِرُكُمْ عَنْهَا ، أَوْرَثَكُمُوهَا اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ ، لِتَصْدِيقِكُمْ إِيَّاهُمْ وَطَاعَتِكُمْ رَبَّكُمْ . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : ( بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
[ ص: 443 ]
14667 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، قَالَ : لَيْسَ مِنْ كَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ إِلَّا وَلَهُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَنْزِلٌ ، فَإِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ، وَدَخَلُوا مَنَازِلَهُمْ ، رُفِعَتِ الْجَنَّةُ لِأَهْلِ النَّارِ فَنَظَرُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِيهَا ، فَقِيلَ لَهُمْ : " هَذِهِ مَنَازِلُكُمْ لَوْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ " ، ثُمَّ يُقَالُ : " يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، رِثُوهُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " ، فَتُقْسَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنَازِلُهُمْ .
14668 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ ، [ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ بُكَيْرٍ ] ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ
الْأَغَرِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ، قَالَ : نُودُوا أَنْ صِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا ، واخْلُدُوا فَلَا تَمُوتُوا ، وَانْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا .
14669 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ
الْأَغَرِّ ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ ) ، الْآيَةَ ، قَالَ : يُنَادِي مُنَادٍ : أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي " أَنِ " الَّتِي مَعَ " تِلْكُمْ " .
[ ص: 444 ]
فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ : هِيَ " أَنَّ " الثَّقِيلَةُ ، خُفِّفَتْ وَأُضْمِرَ فِيهَا ، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَجْعَلَهَا الْخَفِيفَةَ ، لِأَنَّ بَعْدَهَا اسْمًا ، وَالْخَفِيفَةُ لَا تَلِيهَا الْأَسْمَاءُ ، وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ :
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ ، قَدْ عَلِمُوا أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ
وَقَالَ آخَرٌ :
أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كِلانَا عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ
قَالَ : فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ كِلَانَا . قَالَ : وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=44أَنْ قَدْ وَجَدْنَا ) ، فِي مَوْضِعِ " أَيْ " ; وَقَوْلُهُ : ( أَنْ أَقِيمُوا ) ، [ سُورَةُ الشُّورَى : 13 ] ، وَلَا تَكُونُ " أَنِ " الَّتِي تَعْمَلُ
[ ص: 445 ] فِي الْأَفْعَالِ ، لِأَنَّكَ تَقُولُ : " غَاظَنِي أَنْ قَامَ " ، وَ " أَنْ ذَهَبَ " ، فَتَقَعُ عَلَى الْأَفْعَالِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْمَلُ فِيهَا . وَفِي كِتَابِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=6وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا ) [ سُورَةُ ص : 6 ] ، أَيِ : امْشُوا .
وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا بَعْضُ
أَهْلِ الْكُوفَةِ ، فَقَالَ : غَيْرُ جَائِزٍ أَنَّ يَكُونَ مَعَ " أَنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ " هَاءٌ " مُضْمَرَةٌ ، لِأَنَّ " أَنْ " دَخَلَتْ فِي الْكَلَامِ لِتَقِيَ مَا بَعْدَهَا . قَالَ : " وَأَنْ " هَذِهِ الَّتِي مَعَ " تِلْكُمْ " هِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا مَا ضَارَعَ الْحِكَايَةَ ، وَلَيْسَ بِلَفْظِ الْحِكَايَةِ ، نَحْوَ : " نَادَيْتُ أَنَّكَ قَائِمٌ ، " وَ " أَنْ زَيْدًا قَائِمٌ " وَ " أَنْ قُمْتَ " ، فَتَلِيَ كُلَّ الْكَلَامِ ، وَجُعِلَتْ " أَنْ " وِقَايَةً ، لِأَنَّ النِّدَاءَ يَقَعُ عَلَى مَا بَعْدَهُ ، وَسَلِمَ مَا بَعْدَ " أَنْ " كَمَا سَلِمَ مَا بَعْدَ " الْقَوْلِ " . أَلَّا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ : " قُلْتُ : زَيْدٌ قَائِمٌ ؟ ، وَ " قُلْتُ : قَامَ " ، فَتَلِيهَا مَا شِئْتَ مِنَ الْكَلَامِ ، فَلَمَّا كَانَ النِّدَاءُ بِمَعْنَى " الظَّنِّ " وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ " الْقَوْلِ " سَلِمَ مَا بَعْدَ " أَنْ " ، وَدَخَلَتْ " أَنْ " وِقَايَةً . قَالَ : وَأَمَّا " أَيْ " ، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى " أَنْ " ، لَا يَكُونُ " أَيْ " جَوَابَ الْكَلَامِ ، وَ " أَنْ " تَكْفِي مِنَ الِاسْمِ .