القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32424nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ( 100 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في حكم "الواو" التي في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أوكلما عاهدوا عهدا ) . فقال بعض نحويي البصريين : هي "واو" تجعل مع حروف الاستفهام ، وهي مثل "الفاء" في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ) [ البقرة : 87 ] ، قال : وهما زائدتان في هذا الوجه ،
[ ص: 400 ] وهي مثل "الفاء" التي في قوله : فالله لتصنعن كذا وكذا ، وكقولك للرجل : "أفلا تقوم"؟ وإن شئت جعلت "الفاء" و"الواو" هاهنا حرف عطف .
وقال بعض نحويي الكوفيين : هي حرف عطف أدخل عليها حرف الاستفهام .
والصواب في ذلك عندي من القول أنها "واو" عطف ، أدخلت عليها "ألف" الاستفهام ، كأنه قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا ) ، وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، ثم أدخل "ألف" الاستفهام على "وكلما" فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93قالوا سمعنا وعصينا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ) .
وقد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله حرف لا معنى له ، فأغنى ذلك عن إعادة البيان على فساد قول من زعم أن "الواو" و"الفاء" من قوله : ( أوكلما ) و ( أفكلما ) زائدتان لا معنى لهما .
وأما "العهد" ، فإنه الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى ، ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى ، فوبخهم - جل ذكره - بما كان منهم من ذلك ، وعير به أبناءهم إذ سلكوا منهاجهم في بعض ما كان - جل ذكره - أخذ عليهم بالإيمان به من أمر
محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق ، فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته ، فقال تعالى ذكره : أوكلما عاهد
اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدا وأوثقوه ميثاقا ، نبذه فريق منهم ، فتركه ونقضه؟ كما : -
1639 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير قال : حدثنا
ابن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني
سعيد بن جبير ، أو
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : قال
مالك بن الصيف - حين بعث
[ ص: 401 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد الله إليهم فيه - : والله ما عهد إلينا في
محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أخذ له علينا ميثاقا! فأنزل الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) .
1640 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثنا
محمد بن إسحاق قال : حدثني
محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس مثله .
قال
أبو جعفر : وأما "النبذ" فإن أصله - في كلام العرب - الطرح ، ولذلك قيل للملقوط : "المنبوذ"؛ لأنه مطروح مرمي به ، ومنه سمي النبيذ "نبيذا" ، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء ، ثم يعالج بالماء . وأصله "مفعول" صرف إلى "فعيل" ، أعني أن "النبيذ" أصله "منبوذ" ثم صرف إلى "فعيل" فقيل : "نبيذ" ، كما قيل : "كف خضيب ، ولحية دهين" - يعني : مخضوبة ومدهونة . يقال منه : "نبذته أنبذه نبذا" ، كما قال
أبو الأسود الدؤلي :
نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
فمعنى قوله جل ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100نبذه فريق منهم ) ، طرحه فريق منهم ، فتركه ورفضه ونقضه . كما : -
[ ص: 402 ]
1641 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : ( نبذه فريق منهم ) يقول : نقضه فريق منهم .
1642 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : ( نبذه فريق منهم ) ، قال : لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ، ويعاهدون اليوم ، وينقضون غدا . قال : وفي قراءة عبد الله : ( نقضه فريق منهم ) .
و"الهاء" التي في قوله : ( نبذه ) ، من ذكر العهد ، فمعناه أوكلما عاهدوا عهدا نبذ ذلك العهد فريق منهم .
و"الفريق" الجماعة ، لا واحد له من لفظه ، بمنزلة "الجيش" و"الرهط" الذي لا واحد له من لفظه .
و"الهاء والميم" اللتان في قوله : ( فريق منهم ) : من ذكر
اليهود من بني إسرائيل .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100بل أكثرهم لا يؤمنون ) فإنه يعني جل ثناؤه : بل أكثر هؤلاء - الذين كلما عاهدوا الله عهدا وواثقوه موثقا ، نقضه فريق منهم - لا يؤمنون .
ولذلك وجهان من التأويل : أحدهما : أن يكون الكلام دلالة على الزيادة والتكثير في عدد المكذبين الناقضين عهد الله ، على عدد الفريق . فيكون الكلام حينئذ معناه : أوكلما عاهدت
اليهود من بني إسرائيل ربها عهدا نقض فريق منهم ذلك العهد؟ لا - ما ينقض ذلك فريق منهم ، ولكن الذي ينقض ذلك فيكفر بالله ، أكثرهم ، لا القليل منهم . فهذا أحد وجهيه .
والوجه الآخر : أن يكون معناه : أوكلما عاهدت
اليهود ربها عهدا ، نبذ ذلك
[ ص: 403 ] العهد فريق منهم؟ لا - ما ينبذ ذلك العهد فريق منهم فينقضه على الإيمان منهم بأن ذلك غير جائز لهم ، ولكن أكثرهم لا يصدقون بالله ورسله ، ولا وعده ووعيده . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى "الإيمان" ، وأنه التصديق .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32424nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ( 100 ) )
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي حُكْمِ "الْوَاوِ" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا ) . فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ : هِيَ "وَاوٌ" تُجْعَلُ مَعَ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَهِيَ مِثْلُ "الْفَاءِ" فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 87 ] ، قَالَ : وَهُمَا زَائِدَتَانِ فِي هَذَا الْوَجْهِ ،
[ ص: 400 ] وَهِيَ مِثْلُ "الْفَاءِ" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : فَاللَّهَ لِتَصْنَعَنَّ كَذَا وَكَذَا ، وَكَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : "أَفَلَا تَقُومُ"؟ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ "الْفَاءَ" وَ"الْوَاوَ" هَاهُنَا حَرْفَ عَطْفٍ .
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ : هِيَ حَرْفُ عَطْفٍ أُدْخِلَ عَلَيْهَا حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ .
وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي مِنَ الْقَوْلِ أَنَّهَا "وَاوُ" عَطْفٍ ، أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا "أَلِفُ" الِاسْتِفْهَامِ ، كَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) ، وَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ، ثُمَّ أَدْخَلَ "أَلِفَ" الِاسْتِفْهَامِ عَلَى "وَكُلَّمَا" فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَرْفٌ لَا مَعْنَى لَهُ ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَةِ الْبَيَانِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ "الْوَاوَ" وَ"الْفَاءَ" مِنْ قَوْلِهِ : ( أَوَكُلَّمَا ) وَ ( أَفَكُلَّمَا ) زَائِدَتَانِ لَا مَعْنَى لَهُمَا .
وَأَمَّا "الْعَهْدُ" ، فَإِنَّهُ الْمِيثَاقُ الَّذِي أَعْطَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ رَبَّهُمْ لَيَعْمَلُنَّ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، ثُمَّ نَقَضَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، فَوَبَّخَهُمْ - جَلَّ ذِكْرُهُ - بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ ذَلِكَ ، وَعَيَّرَ بِهِ أَبْنَاءَهُمْ إِذْ سَلَكُوا مِنْهَاجَهُمْ فِي بَعْضِ مَا كَانَ - جَلَّ ذِكْرُهُ - أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ مِنْ أَمْرِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ، فَكَفَرُوا وَجَحَدُوا مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ نَعْتِهِ وَصَفَتِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَوَكُلَّمَا عَاهَدَ
الْيَهُودُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَبَّهُمْ عَهْدًا وَأَوْثَقُوهُ مِيثَاقًا ، نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ، فَتَرَكَهُ وَنَقَضَهُ؟ كَمَا : -
1639 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَوْ
عِكْرِمَةُ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ - حِينَ بُعِثَ
[ ص: 401 ] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَكَرَ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ ، وَمَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ فِيهِ - : وَاللَّهِ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا فِي
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا أَخَذَ لَهُ عَلَيْنَا مِيثَاقًا! فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) .
1640 - حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَوْ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَمَّا "النَّبْذُ" فَإِنَّ أَصْلَهُ - فِي كَلَامِ الْعَرَبِ - الطَّرْحُ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمَلْقُوطِ : "الْمَنْبُوذُ"؛ لِأَنَّهُ مَطْرُوحٌ مَرْمِيٌّ بِهِ ، وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّبِيذُ "نَبِيذًا" ، لِأَنَّهُ زَبِيبٌ أَوْ تَمْرٌ يُطْرَحُ فِي وِعَاءٍ ، ثُمَّ يُعَالَجُ بِالْمَاءِ . وَأَصْلُهُ "مَفْعُولٌ" صُرِفَ إِلَى "فَعِيلٍ" ، أَعْنِي أَنَّ "النَّبِيذَ" أَصْلُهُ "مَنْبُوذٌ" ثُمَّ صُرِفَ إِلَى "فَعِيلٍ" فَقِيلَ : "نَبِيذٌ" ، كَمَا قِيلَ : "كَفٌّ خَضِيبٌ ، وَلِحْيَةٌ دَهِينٌ" - يَعْنِي : مَخْضُوبَةٌ وَمَدْهُونَةٌ . يُقَالُ مِنْهُ : "نَبَذْتُهُ أَنْبِذُهُ نَبْذًا" ، كَمَا قَالَ
أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ :
نَظَرْتَ إِلَى عُنْوَانِهِ فَنَبَذْتَهُ كَنَبْذِكَ نَعْلًا أَخْلَقَتْ مِنْ نِعَالِكَا
فَمَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) ، طَرَحَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ، فَتَرَكَهُ وَرَفَضَهُ وَنَقَضَهُ . كَمَا : -
[ ص: 402 ]
1641 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : ( نَبْذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) يَقُولُ : نَقَضَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ .
1642 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ : ( نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) ، قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ عَهْدٌ يُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ إِلَّا نَقَضُوهُ ، وَيُعَاهِدُونَ الْيَوْمَ ، وَيَنْقُضُونَ غَدًا . قَالَ : وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ : ( نَقَضَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) .
وَ"الْهَاءُ" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : ( نَبَذَهُ ) ، مِنْ ذِكْرِ الْعَهْدِ ، فَمَعْنَاهُ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَ ذَلِكَ الْعَهْدَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ .
وَ"الْفَرِيقُ" الْجَمَاعَةُ ، لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ، بِمَنْزِلَةِ "الْجَيْشِ" وَ"الرَّهْطِ" الَّذِي لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ .
وَ"الْهَاءُ وَالْمِيمُ" اللَّتَانِ فِي قَوْلِهِ : ( فَرِيقٌ مِنْهُمْ ) : مِنْ ذِكِرِ
الْيَهُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=100بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ : بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ - الَّذِينَ كُلَّمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَهْدًا وَوَاثَقُوهُ مَوْثِقًا ، نَقَضَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ - لَا يُؤْمِنُونَ .
وَلِذَلِكَ وَجْهَانِ مِنَ التَّأْوِيلِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ دِلَالَةً عَلَى الزِّيَادَةِ وَالتَّكْثِيرِ فِي عَدَدِ الْمُكَذِّبِينَ النَّاقِضِينَ عَهْدَ اللَّهِ ، عَلَى عَدَدِ الْفَرِيقِ . فَيَكُونُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ مَعْنَاهُ : أَوَكُلَّمَا عَاهَدَتِ
الْيَهُودُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَبَّهَا عَهْدًا نَقَضَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْعَهْدَ؟ لَا - مَا يَنْقَضُ ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّ الَّذِي يَنْقَضُ ذَلِكَ فَيَكْفُرُ بِاللَّهِ ، أَكْثَرُهُمْ ، لَا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ . فَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْهِ .
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ : أَوَكُلَّمَا عَاهَدَتِ
الْيَهُودُ رَبَّهَا عَهْدًا ، نَبَذَ ذَلِكَ
[ ص: 403 ] الْعَهْدَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ؟ لَا - مَا يَنْبِذُ ذَلِكَ الْعَهْدَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ فَيَنْقُضُهُ عَلَى الْإِيمَانِ مِنْهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، وَلَا وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا عَلَى مَعْنَى "الْإِيمَانِ" ، وَأَنَّهُ التَّصْدِيقُ .