القول في تأويل
nindex.php?page=treesubj&link=28994_29705قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=90بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ( 90 )
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ( 91 )
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون ( 92 ) )
[ ص: 66 ] يقول : ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون بالله ، من أن الملائكة بنات الله ، وأن الآلهة والأصنام آلهة دون الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=90بل أتيناهم بالحق ) اليقين ، وهو الدين الذي ابتعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وذلك الإسلام ، ولا يعبد شيء سوى الله ; لأنه لا إله غيره ( وإنهم لكاذبون ) يقول : وإن المشركين لكاذبون فيما يضيفون إلى الله ، وينحلونه من الولد والشريك ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91ما اتخذ الله من ولد ) يقول تعالى ذكره : ما لله من ولد ، ولا كان معه في القديم ، ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته ، ولو كان معه في القديم أو عند خلقه الأشياء من تصلح عبادته (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91من إله إذا لذهب ) يقول : إذن لاعتزل كل إله منهم ( بما خلق ) من شيء ، فانفرد به ، ولتغالبوا ، فلعلا بعضهم على بعض ، وغلب القوي منهم الضعيف ; لأن القوي لا يرضى أن يعلوه ضعيف ، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها ، فسبحان الله ما أبلغها من حجة وأوجزها ، لمن عقل وتدبر . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91إذا لذهب ) جواب لمحذوف ، وهو : لو كان معه إله ، إذن لذهب كل إله بما خلق ، اجتزئ بدلالة ما ذكر عليه عنه . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91سبحان الله عما يصفون ) يقول تعالى ذكره ; تنزيها لله عما يصفه به هؤلاء المشركون من أن له ولدا ، وعما قالوه من أن له شريكا ، أو أن معه في القدم إلها يعبد تبارك وتعالى .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92عالم الغيب والشهادة ) يقول تعالى ذكره : هو عالم ما غاب عن خلقه من الأشياء ، فلم يروه ولم يشاهدوه ، وما رأوه وشاهدوه ، إنما هذا من الله خبر عن هؤلاء الذين قالوا من المشركين : اتخذ الله ولدا وعبدوا من دونه آلهة ، أنهم فيما يقولون ويفعلون مبطلون مخطئون ، فإنهم يقولون ما يقولون من قول في ذلك عن غير علم ، بل عن جهل منهم به ، وإن العالم بقديم الأمور وبحديثها ، وشاهدها وغائبها عنهم الله الذي لا يخفى عليه شيء ، فخبره هو الحق دون خبرهم وقال : ( عالم الغيب ) فرفع على الابتداء ، بمعنى : هو عالم الغيب ، ولذلك دخلت الفاء في قوله : ( فتعالى ) كما يقال : مررت بأخيك المحسن فأحسنت إليه ، فترفع المحسن إذا جعلت فأحسنت إليه بالفاء ; لأن معنى الكلام إذا كان كذلك : مررت بأخيك هو المحسن ، فأحسنت إليه . ولو جعل الكلام بالواو فقيل : وأحسنت إليه ، لم يكن وجه الكلام في المحسن إلا الخفض على النعت للأخ ، ولذلك لو جاء ( فتعالى ) بالواو كان وجه الكلام في ( عالم الغيب ) الخفض على الاتباع لإعراب اسم الله ، وكان يكون معنى الكلام : سبحان الله عالم الغيب والشهادة
[ ص: 67 ] وتعالى! فيكون قوله ( وتعالى ) حينئذ معطوفا على سبحان الله ، وقد يجوز الخفض مع الفاء ; لأن العرب قد تبدأ الكلام بالفاء ، كابتدائها بالواو ، وبالخفض كأن يقرأ : ( عالم الغيب ) في هذا الموضع
أبو عمرو ، وعلى خلافه في ذلك قراءة الأمصار .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا الرفع لمعنيين : أحدهما : إجماع الحجة من القراء عليه ، والثاني : صحته في العربية .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92فتعالى عما يشركون ) يقول تعالى ذكره : فارتفع الله وعلا عن شرك هؤلاء المشركين ، ووصفهم إياه بما يصفون .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28994_29705قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=90بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 90 )
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 91 )
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 92 ) )
[ ص: 66 ] يَقُولُ : مَا الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ ، مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ ، وَأَنَّ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ آلِهَةٌ دُونَ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=90بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ ) الْيَقِينِ ، وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ الْإِسْلَامُ ، وَلَا يُعْبَدُ شَيْءٌ سِوَى اللَّهِ ; لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ( وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) يَقُولُ : وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَكَاذِبُونَ فِيمَا يُضِيفُونَ إِلَى اللَّهِ ، وَيَنْحِلُونَهُ مِنَ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : مَا لِلَّهِ مِنْ وَلَدٍ ، وَلَا كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيمِ ، وَلَا حِينَ ابْتَدَعَ الْأَشْيَاءَ مَنْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ فِي الْقَدِيمِ أَوْ عِنْدَ خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ مَنْ تَصْلُحُ عِبَادَتُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ ) يَقُولُ : إِذَنْ لَاعْتَزَلَ كُلُّ إِلَهٍ مِنْهُمْ ( بِمَا خَلَقَ ) مِنْ شَيْءٍ ، فَانْفَرَدَ بِهِ ، وَلَتَغَالَبُوا ، فَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَغَلَبَ الْقَوِيُّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ ; لِأَنَّ الْقَوِيَّ لَا يَرْضَى أَنْ يَعْلُوَهُ ضَعِيفٌ ، وَالضَّعِيفُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَبْلَغَهَا مِنْ حَجَّةٍ وَأَوْجَزَهَا ، لِمَنْ عَقَلَ وَتَدَبَّرَ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91إِذًا لَذَهَبَ ) جَوَابٌ لِمَحْذُوفٍ ، وَهُوَ : لَوْ كَانَ مَعَهُ إِلَهٌ ، إِذَنْ لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ، اجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ عَلَيْهِ عَنْهُ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=91سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ; تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَدًا ، وَعَمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ لَهُ شَرِيكًا ، أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الْقِدَمِ إِلَهًا يُعْبَدُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : هُوَ عَالِمٌ مَا غَابَ عَنْ خَلْقِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، فَلَمْ يَرَوْهُ وَلَمْ يُشَاهِدُوهُ ، وَمَا رَأَوْهُ وَشَاهَدُوهُ ، إِنَّمَا هَذَا مِنَ اللَّهِ خَبَرٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَعَبَدُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ، أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مُبْطِلُونَ مُخْطِئُونَ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلٍ فِي ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ ، بَلْ عَنْ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِهِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ بِقَدِيمِ الْأُمُورِ وَبِحَدِيثِهَا ، وَشَاهِدِهَا وَغَائِبِهَا عَنْهُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ، فَخَبَرُهُ هُوَ الْحَقُّ دُونَ خَبَرِهِمْ وَقَالَ : ( عَالِمُ الْغَيْبِ ) فَرُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، بِمَعْنَى : هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ : ( فَتَعَالَى ) كَمَا يُقَالُ : مَرَرْتُ بِأَخِيكَ الْمُحْسِنِ فَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ ، فَتَرْفَعُ الْمُحْسِنَ إِذَا جَعَلْتَ فَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِ بِالْفَاءِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ : مَرَرْتُ بِأَخِيكَ هُوَ الْمُحْسِنُ ، فَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ . وَلَوْ جُعِلَ الْكَلَامُ بِالْوَاوِ فَقِيلَ : وَأَحْسَنْتُ إِلَيْهِ ، لَمْ يَكُنْ وَجْهُ الْكَلَامِ فِي الْمُحْسِنِ إِلَّا الْخَفْضَ عَلَى النَّعْتِ لِلْأَخِ ، وَلِذَلِكَ لَوْ جَاءَ ( فَتَعَالَى ) بِالْوَاوِ كَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ فِي ( عَالِمِ الْغَيْبِ ) الْخَفْضَ عَلَى الِاتِّبَاعِ لِإِعْرَابِ اسْمِ اللَّهِ ، وَكَانَ يَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ : سُبْحَانَ اللَّهِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
[ ص: 67 ] وَتَعَالَى! فَيَكُونُ قَوْلُهُ ( وَتَعَالَى ) حِينَئِذٍ مَعْطُوفًا عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَقَدْ يَجُوزُ الْخَفْضُ مَعَ الْفَاءِ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَبْدَأُ الْكَلَامَ بِالْفَاءِ ، كَابْتِدَائِهَا بِالْوَاوِ ، وَبِالْخَفْضِ كَأَنْ يُقْرَأَ : ( عَالِمِ الْغَيْبِ ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
أَبُو عَمْرٍو ، وَعَلَى خِلَافِهِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ .
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الرَّفْعُ لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : إِجْمَاعُ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ ، وَالثَّانِي : صِحَّتُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=92فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَارْتَفَعَ اللَّهُ وَعَلَا عَنْ شِرْكِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ، وَوَصْفِهِمْ إِيَّاهُ بِمَا يَصِفُونَ .