وفيها توفي من الأعيان :
nindex.php?page=treesubj&link=34064إسحاق بن منصور السلولي .
nindex.php?page=showalam&ids=15537nindex.php?page=treesubj&link=34064وبشر بن بكر الدمشقي .
nindex.php?page=showalam&ids=14797nindex.php?page=treesubj&link=34064وأبو عامر العقدي .
nindex.php?page=showalam&ids=16996nindex.php?page=treesubj&link=34064ومحمد بن عبيد الطنافسي .
nindex.php?page=treesubj&link=34064ويعقوب الحضرمي .
nindex.php?page=showalam&ids=12032وأبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية . وقيل :
عبد nindex.php?page=treesubj&link=34064الرحمن بن [ ص: 144 ] عطية . وقيل :
عبد الرحمن بن عسكر ، nindex.php?page=treesubj&link=33935_33934_34064أبو سليمان الداراني . أصله من
واسط وسكن قرية غربي
دمشق يقال لها :
داريا .
وقد سمع الحديث من
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وغيره ، وروى عنه
أحمد بن أبي الحواري وجماعة . وأسند الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر من طريقه ، قال : سمعت
علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم يقول : سمعت
ابن عجلان يذكر عن
القعقاع بن حكيم ، عن
أبي صالح ، عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من صلى قبل الظهر أربعا غفر الله ذنوبه يومه ذلك وقال
أبو القاسم القشيري : حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبي سليمان الداراني قال : اختلفت إلى مجلس قاص فأثر كلامه في قلبي ، فلما قمت لم يبق في قلبي شيء ، فعدت ثانية فأثر كلامه في قلبي بعد ما قمت وفي الطريق ، ثم عدت ثالثة فبقي أثر كلامه في قلبي حتى رجعت إلى منزلي ، وكسرت آلات المخالفات ولزمت الطريق . فحكيت هذه الحكاية
ليحيى بن معاذ ، فقال : عصفور اصطاد كركيا . يعني بالعصفور
القاص ، وبالكركي
أبا سليمان الداراني .
وقال
أحمد بن أبي الحواري : سمعت
أبا سليمان يقول : ليس لمن ألهم
[ ص: 145 ] شيئا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر فإذا سمعه من الأثر عمل به ، وحمد الله حين وافق ما في قلبه .
وقال
الجنيد : قال
أبو سليمان الداراني : ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين ؛ الكتاب والسنة . قال : وقال
أبو سليمان : أفضل الأعمال خلاف هوى النفس . وقال : لكل شيء علم وعلم الخذلان ترك البكاء . وقال : لكل شيء صدأ وصدأ نور القلب شبع البطن . وقال : كل ما شغلك عن الله ؛ من أهل أو مال أو ولد ؛ فهو عليك مشئوم . وقال : كنت ليلة في المحراب أدعو ويداي ممدودتان فغلبني البرد فضممت إحداهما وبقيت الأخرى مبسوطة أدعو بها ، وغلبتني عيني فنمت ، فهتف بي هاتف : يا
أبا سليمان ، قد وضعنا في هذه ما أصابها ، ولو كانت الأخرى لوضعنا فيها . قال : فآليت على نفسي ألا أدعو إلا ويداي
[ ص: 146 ] خارجتان ، حرا كان أو بردا . وقال
أبو سليمان : نمت ليلة عن وردي فإذا أنا بحوراء تقول لي : تنام وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام ؟
وقال
أحمد بن أبي الحواري : سمعت
أبا سليمان يقول : إن في الجنة أنهارا على شاطئها خيام فيهن الحور ، ينشئ الله خلق إحداهن إنشاء فإذا تكامل خلقها ضربت الملائكة عليهن الخيام ، جالسة على كرسي ميل في ميل ، قد خرج عجيزتها من جانب الكرسي ، فيجيء أهل الجنة من قصورهم يتنزهون ما شاءوا ثم يخلو كل رجل منهم بواحدة منهن . قال
أبو سليمان : كيف يكون في الدنيا حال من يريد يفتض الأبكار على شاطئ الأنهار في الجنة ؟
وقال
أحمد بن أبي الحواري : سمعت
أبا سليمان الداراني يقول : ربما مكثت خمس ليال لا أقرأ بعد الفاتحة إلا بآية واحدة أتفكر في معانيها ، ولربما جاءت الآية من القرآن فيطير العقل ، فسبحان من يرده بعد ! وسمعته يقول : أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل ، ومفتاح الدنيا الشبع ، ومفتاح الآخرة الجوع . وقال لي يوما :
[ ص: 147 ] يا
أحمد ، جوع قلبك ، وذل قلبك ، وعر قلبك ، وفقر قلبك ، وصبر قلبك ، وقد انقضت عنك أيام الدنيا .
وقال
أحمد : اشتهى
أبو سليمان يوما رغيفا حارا بملح ، قال : فجئته به ، فعض منه عضة ثم طرحه ، وأقبل يبكي ويقول : يا رب عجلت لي شهوتي ، لقد أطلت جهدي وشقوتي وأنا تائب فاقبل توبتي . فلم يذق الملح حتى لحق بالله عز وجل . قال : وسمعته يقول : ما رضيت عن نفسي طرفة عين ، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما أحسنوا . وسمعته يقول : من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة . وسمعته يقول : إذا تكلف المتعبدون أن لا يتكلموا إلا بالإعراب ، ذهب الخشوع . وسمعته يقول : من حسن ظنه بالله ، ثم لا يخاف فهو
[ ص: 148 ] مخدوع . وقال : ينبغي للخوف أن يكون أغلب من الرجاء ، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب . وقال لي يوما : هل فوق الصبر منزلة ؟ فقلت : نعم . يعني الرضا . قال : فصرخ صرخة غشي عليه ، ثم أفاق فقال : إذا كان الصابرون يوفون أجرهم بغير حساب ، فما ظنك بالآخرين ، وهم الذين رضي عنهم .
وقال بعضهم : سمعت
أبا سليمان يقول : ما يسرني أن لي الدنيا من أولها إلى آخرها أنفقه في وجوه البر ، وأني أغفل عن الله طرفة عين . وقال
أبو سليمان : قال زاهد لزاهد : أوصني . فقال : لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك . فقال : زدني . فقال : ما عندي زيادة . وقال أيضا : من أحسن في نهاره كوفئ في ليله ، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره ، ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه ، والله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة
[ ص: 149 ] تركت له . وقال : إذا سكنت الدنيا القلب ترحلت منه الآخرة . وقال : إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها ، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تزحمها الآخرة ؛ إن الآخرة كريمة والدنيا لئيمة .
وقال
أحمد بن أبي الحواري : بت ليلة عند
أبي سليمان فسمعته يقول : وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك ولئن طالبتني ببخلي لأطالبنك بسخائك ، ولئن أمرت بي إلى النار لأخبرن أهل النار أني أحبك . وكان
أبو سليمان يقول : لو شك الناس كلهم في الحق ما شككت فيه وحدي . وكان يقول : ما خلق الله خلقا أهون علي من إبليس ، ولولا أن الله أمرني أن أتعوذ منه ما تعوذت منه أبدا ، ولو بدا لي ما لطمت
[ ص: 150 ] إلا صفحة وجهه . وكان يقول : إن اللص لا يجيء إلى خربة ينقب حيطانها وهو قادر على الدخول إليها من أي مكان شاء ، وإنما يجيء إلى بيت معمور ، كذلك إبليس لا يجيء إلا إلى كل قلب عامر ليستنزله عن شيء .
وكان يقول : إذا أخلص العبد انقطع عنه كثرة الوسواس والرياء والرؤيا . وقال : مكثت عشرين سنة لم أحتلم ، فدخلت
مكة ففاتتني صلاة العشاء في جماعة فاحتلمت تلك الليلة . وقال : إن من خلق الله قوما لا يشغلهم الجنان وما فيها من النعيم عنه ، فكيف تشتغلون بالدنيا ؟ وقال : الدنيا عند الله أقل من جناح بعوضة ، فما الزهد فيها ؟ وإنما الزهد في الجنان والحور العين ، حتى لا يرى الله في قلبك غيره .
وقال
الجنيد : شيء يروى عن
أبي سليمان أنا استحسنته كثيرا ؛ قوله : من
[ ص: 151 ] اشتغل بنفسه شغل عن الناس ، ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس ، وقال غيره : كان
أبو سليمان يقول : خير السخاء ما وافق الحاجة . وقال
أبو سليمان : من طلب الدنيا حلالا واستعفافا عن المسألة واستغناء عن الناس ، لقي الله يوم يلقاه ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ومن طلب الدنيا حلالا ، مفاخرا ومكاثرا لقي الله عز وجل يوم يلقاه وهو عليه غضبان . وقد روي نحو هذا مرفوعا .
وقال
أبو سليمان : إن قوما طلبوا الغنى فحسبوا أنه في جمع المال ، ألا وإنما الغنى في القناعة ، وطلبوا الراحة في الكثرة ، وإنما الراحة في القلة ، وطلبوا الكرامة من الخلق ، ألا وهي في التقوى ، وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق اللين ، وفي طعام طيب ، والنعمة في
[ ص: 152 ] الإسلام والستر والعافية . وكان يقول : لولا قيام الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ، وما أحب البقاء في الدنيا لتشقيق الأنهار ولا لغرس الأشجار .
وقال : أهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم . وقال : ربما استقبلني الفرح في جوف الليل ، وربما رأيت القلب يضحك ضحكا .
وقال
أحمد بن الحواري : سمعت
أبا سليمان يقول : بينا أنا ساجد ، إذ ذهب بي النوم ، فإذا أنا بها - يعني الحوراء - قد ركضتني برجلها ، فقالت : حبيبي ، أترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في
[ ص: 153 ] تهجدهم ؟ بؤسا لعين آثرت لذة نومة على لذة مناجاة العزيز ، قم فقد دنا الفراغ ولقي المحبون بعضهم بعضا ، فما هذا الرقاد ؟ حبيبي وقرة عيني ، أترقد عيناك وأنا أربى لك في الخدور منذ كذا وكذا ؟ فوثبت فزعا وقد عرقت استحياء من توبيخها إياي ، وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي .
وقال
أحمد بن أبي الحواري : دخلت على
أبي سليمان فإذا هو يبكي ، فقلت : ما لك ؟ فقال : زجرت البارحة في منامي . قلت : ما الذي حل بك ؟ قال : بينا أنا قد غفوت في محرابي إذ وقفت علي جارية تفوق الدنيا حسنا ، وبيدها ورقة وهي تقول : أتنام يا شيخ ؟ فقلت : من غلبته عيناه نام . فقالت : كلا إن طالب الجنة لا ينام . ثم قالت : أتقرأ ؟ فأخذت الورقة من يدها ، فإذا فيها مكتوب :
لهت بك لذة عن حسن عيش مع الخيرات في غرف الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها
وتنعم في الجنان مع الحسان تيقظ من منامك إن خيرا
من النوم التهجد بالقران
[ ص: 154 ] وقال
أبو سليمان : أما يستحي أحدهم أن يلبس عباءة بثلاثة دراهم وفي قلبه شهوة بخمسة دراهم ؟ وقال أيضا : لا يجوز لأحد أن يظهر للناس الزهد والشهوات في قلبه ، فإذا لم يبق في قلبه شيء من شهوات الدنيا ، جاز أن يظهر للناس الزهد بلبس العباء ، فإنها علم من أعلام الزهاد ، ولو لبس ثوبين أبيضين ليستر بهما أبصار الناس عنه كان أسلم لزهده . وكان يقول أيضا : إذا رأيت الصوفي يتنوق في لبس الصوف ، فليس بصوفي ، وخيار هذه الأمة أصحاب القطن
أبو بكر الصديق وأصحابه . وقال
أبو سليمان : إنما الأخ الذي يعظك برؤيته قبل كلامه ، وقد كنت أنظر إلى الأخ من أصحابي
بالعراق فأنتفع برؤيته شهرا . وقال
أبو سليمان : قال الله تعالى : " عبدي ، إنك ما استحييت مني أنسيت الناس عيوبك ، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك ، ومحوت زلاتك من أم الكتاب ، ولا أناقشك في الحساب
[ ص: 155 ] يوم القيامة " .
وقال
أحمد بن أبي الحواري : سألت
أبا سليمان عن الصبر ، فقال : والله إنك لا تقدر عليه في الذي تحب ، فكيف فيما تكره ؟ قال
أحمد : تنهدت عنده يوما ، فقال : إنك مسئول عنها يوم القيامة ، فإن كانت على ذنب سلف فطوبى لك ، وإن كانت على الدنيا فويل لك . وقال : إنما رجع من الطريق قبل الوصول ، ولو وصلوا إلى الله ما رجعوا . وقال : إنما عصى الله من عصاه لهوانهم عليه ، ولو كرموا عليه لحجزهم عن معاصيه . وقال : جلساء الرحمن يوم القيامة من جعل فيهم خصالا : الكرم والحلم ، والعلم والحكمة ، والرقة ، والرحمة ، والفضل ، والصفح ، والإحسان والبر ، والعفو واللطف .
وذكر
أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب " " محن المشايخ " " ، أن
أبا سليمان الداراني أخرج من
دمشق وقالوا : إنه يزعم أنه يرى الملائكة
[ ص: 156 ] ويكلمونه . فخرج إلى بعض الثغور فرأى بعض أهل
دمشق أنه إن لم يرجع إليهم هلكوا ، فخرجوا في طلبه وتشفعوا إليه ، حتى ردوه .
وقد اختلف في وفاته على أقوال ؛ فقيل : سنة أربع ومائتين . وقيل : سنة خمس ومائتين . وقيل : سنة خمس عشرة ومائتين . وقيل : سنة خمس وثلاثين ومائتين . والله أعلم . وقد قال
مروان الطاطري يوم مات
أبو سليمان : لقد أصيب به أهل الإسلام كلهم .
قلت : وقد دفن في قرية داريا ، وقبره بها مشهور وعليه بناء ، وقبلته مسجد بناه الأمير
ناهض الدين عمر المهراني ، ووقف على المقيمين عنده وقفا يدخل عليهم منه غلة ، وقد جدد مزاره في زماننا هذا ، ولم أر الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر تعرض لموضع دفنه بالكلية ، وهذا عجب منه . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر ، عن
أحمد بن أبي الحواري قال : كنت أشتهي أن أرى
أبا سليمان في المنام فرأيته بعد سنة ، فقلت : ما فعل الله بك يا معلم ؟ فقال : يا
أحمد ، دخلت يوما من باب الصغير فرأيت حمل شيح ، فأخذت منه عودا ، فما أدري تخللت به أو رميته ، فأنا في
[ ص: 157 ] حسابه إلى الآن .
وقد توفي ابنه
سليمان بعده بنحو من سنتين رحمهما الله تعالى .
وَفِيهَا تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ :
nindex.php?page=treesubj&link=34064إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ .
nindex.php?page=showalam&ids=15537nindex.php?page=treesubj&link=34064وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ الدِّمَشْقِيُّ .
nindex.php?page=showalam&ids=14797nindex.php?page=treesubj&link=34064وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ .
nindex.php?page=showalam&ids=16996nindex.php?page=treesubj&link=34064وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ .
nindex.php?page=treesubj&link=34064وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ .
nindex.php?page=showalam&ids=12032وَأَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَطِيَّةَ . وَقِيلَ :
عَبْدُ nindex.php?page=treesubj&link=34064الرَّحْمَنِ بْنُ [ ص: 144 ] عَطِيَّةَ . وَقِيلَ :
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَسْكَرٍ ، nindex.php?page=treesubj&link=33935_33934_34064أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ . أَصْلُهُ مِنْ
وَاسِطٍ وَسَكَنَ قَرْيَةً غَرْبِيَّ
دِمَشْقَ يُقَالُ لَهَا :
دَارَيَّا .
وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَرَوَى عَنْهُ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ وَجَمَاعَةٌ . وَأَسْنَدَ الْحَافِظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ
عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّاهِدِ يَقُولُ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12358إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ يَقُولُ : سَمِعْتُ
ابْنُ عَجْلَانَ يَذْكُرُ عَنِ
الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَقَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ : حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ قَالَ : اخْتَلَفْتُ إِلَى مَجْلِسِ قَاصٍّ فَأَثَّرَ كَلَامُهُ فِي قَلْبِي ، فَلَمَّا قُمْتُ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِي شَيْءٌ ، فَعُدْتُ ثَانِيَةً فَأَثَّرَ كَلَامُهُ فِي قَلْبِي بَعْدَ مَا قُمْتُ وَفِي الطَّرِيقِ ، ثُمَّ عُدْتُ ثَالِثَةً فَبَقِيَ أَثَرُ كَلَامِهِ فِي قَلْبِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي ، وَكَسَرْتُ آلَاتِ الْمُخَالَفَاتِ وَلَزِمْتُ الطَّرِيقَ . فَحَكَيْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ
لِيَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ : عُصْفُورٌ اصْطَادَ كُرْكِيًّا . يَعْنِي بِالْعُصْفُورِ
الْقَاصَّ ، وَبِالْكُرْكِيِّ
أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : سَمِعْتُ
أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ : لَيْسَ لِمَنْ أُلْهِمَ
[ ص: 145 ] شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مِنَ الْأَثَرِ فَإِذَا سَمِعَهُ مِنَ الْأَثَرِ عَمِلَ بِهِ ، وَحَمِدَ اللَّهَ حِينَ وَافَقَ مَا فِي قَلْبِهِ .
وَقَالَ
الْجُنَيْدُ : قَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ : رُبَّمَا يَقَعُ فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ الْقَوْمِ أَيَّامًا فَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ ؛ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ . قَالَ : وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ خِلَافُ هَوَى النَّفْسِ . وَقَالَ : لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَمٌ وَعَلَمُ الْخِذْلَانِ تَرْكُ الْبُكَاءِ . وَقَالَ : لِكُلِّ شَيْءٍ صَدَأٌ وَصَدَأُ نُورِ الْقَلْبِ شِبَعُ الْبَطْنِ . وَقَالَ : كُلُّ مَا شَغَلَكَ عَنِ اللَّهِ ؛ مِنْ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ ؛ فَهُوَ عَلَيْكَ مَشْئُومٌ . وَقَالَ : كُنْتُ لَيْلَةً فِي الْمِحْرَابِ أَدْعُو وَيَدَايَ مَمْدُودَتَانِ فَغَلَبَنِي الْبَرْدُ فَضَمَمْتُ إِحْدَاهُمَا وَبَقِيَتِ الْأُخْرَى مَبْسُوطَةً أَدْعُو بِهَا ، وَغَلَبْتَنِي عَيْنِي فَنِمْتُ ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ : يَا
أَبَا سُلَيْمَانَ ، قَدْ وَضَعْنَا فِي هَذِهِ مَا أَصَابَهَا ، وَلَوْ كَانَتِ الْأُخْرَى لَوَضَعْنَا فِيهَا . قَالَ : فَآلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَلَّا أَدْعُوَ إِلَّا وَيَدَايَ
[ ص: 146 ] خَارِجَتَانِ ، حَرًّا كَانَ أَوْ بَرْدًا . وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : نِمْتُ لَيْلَةً عَنْ وِرْدِي فَإِذَا أَنَا بِحَوْرَاءَ تَقُولُ لِي : تَنَامُ وَأَنَا أُرَبَّى لَكَ فِي الْخُدُورِ مُنْذُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ؟
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : سَمِعْتُ
أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ أَنْهَارًا عَلَى شَاطِئِهَا خِيَامٌ فِيهِنَّ الْحُورُ ، يُنْشِئُ اللَّهُ خَلْقَ إِحْدَاهُنَّ إِنْشَاءً فَإِذَا تَكَامَلَ خَلْقُهَا ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِنَّ الْخِيَامَ ، جَالِسَةً عَلَى كُرْسِيٍّ مِيلٍ فِي مِيلٍ ، قَدْ خَرَجَ عَجِيزَتُهَا مِنْ جَانِبِ الْكُرْسِيِّ ، فَيَجِيءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ قُصُورِهِمْ يَتَنَزَّهُونَ مَا شَاءُوا ثُمَّ يَخْلُو كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ . قَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : كَيْفَ يَكُونُ فِي الدُّنْيَا حَالُ مَنْ يُرِيدُ يَفْتَضُّ الْأَبْكَارَ عَلَى شَاطِئِ الْأَنْهَارِ فِي الْجَنَّةِ ؟
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : سَمِعْتُ
أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ يَقُولُ : رُبَّمَا مَكَثْتُ خَمْسَ لَيَالٍ لَا أَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إِلَّا بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ أَتَفَكَّرُ فِي مَعَانِيهَا ، وَلَرُبَّمَا جَاءَتِ الْآيَةُ مِنَ الْقُرْآنِ فَيَطِيرُ الْعَقْلُ ، فَسُبْحَانَ مَنْ يَرُدُّهُ بَعْدُ ! وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمِفْتَاحُ الدُّنْيَا الشِّبَعُ ، وَمِفْتَاحُ الْآخِرَةِ الْجُوعُ . وَقَالَ لِي يَوْمًا :
[ ص: 147 ] يَا
أَحْمَدُ ، جَوِّعْ قَلْبَكَ ، وَذِلَّ قَلْبَكَ ، وَعَرِّ قَلْبَكَ ، وَفَقِّرْ قَلْبَكَ ، وَصَبِّرْ قَلْبَكَ ، وَقَدِ انْقَضَتْ عَنْكَ أَيَّامُ الدُّنْيَا .
وَقَالَ
أَحْمَدُ : اشْتَهَى
أَبُو سُلَيْمَانَ يَوْمًا رَغِيفًا حَارًّا بِمِلْحٍ ، قَالَ : فَجِئْتُهُ بِهِ ، فَعَضَّ مِنْهُ عَضَّةً ثُمَّ طَرَحَهُ ، وَأَقْبَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : يَا رَبِّ عَجَّلْتَ لِي شَهْوَتِي ، لَقَدْ أَطَلْتَ جَهْدِي وَشِقْوَتِي وَأَنَا تَائِبٌ فَاقْبَلْ تَوْبَتِي . فَلَمْ يَذُقِ الْمِلْحَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَا رَضِيتُ عَنْ نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضَعُونِي كَاتِّضَاعِي عِنْدَ نَفْسِي مَا أَحْسَنُوا . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ قِيمَةً لَمْ يَذُقْ حَلَاوَةَ الْخِدْمَةِ . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِذَا تَكَلَّفَ الْمُتَعَبِّدُونَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمُوا إِلَّا بِالْإِعْرَابِ ، ذَهَبَ الْخُشُوعُ . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ بِاللَّهِ ، ثُمَّ لَا يَخَافُ فَهُوَ
[ ص: 148 ] مَخْدُوعٌ . وَقَالَ : يَنْبَغِي لِلْخَوْفِ أَنْ يَكُونَ أَغْلَبَ مِنَ الرَّجَاءِ ، فَإِذَا غَلَبَ الرَّجَاءُ عَلَى الْخَوْفِ فَسَدَ الْقَلْبُ . وَقَالَ لِي يَوْمًا : هَلْ فَوْقَ الصَّبْرِ مَنْزِلَةٌ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . يَعْنِي الرِّضَا . قَالَ : فَصَرَخَ صَرْخَةً غُشِيَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ : إِذَا كَانَ الصَّابِرُونَ يُوفَّوْنَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْآخَرِينَ ، وَهُمُ الَّذِينَ رَضِيَ عَنْهُمْ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : سَمِعْتُ
أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ : مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي الدُّنْيَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا أُنْفِقُهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ، وَأَنِّي أَغْفُلُ عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ . وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : قَالَ زَاهِدٌ لِزَاهِدٍ : أَوْصِنِي . فَقَالَ : لَا يَرَاكَ اللَّهُ حَيْثُ نَهَاكَ وَلَا يَفْقِدُكَ حَيْثُ أَمَرَكَ . فَقَالَ : زِدْنِي . فَقَالَ : مَا عِنْدِي زِيَادَةٌ . وَقَالَ أَيْضًا : مَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُوفِئَ فِي لَيْلِهِ ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُوفِئَ فِي نَهَارِهِ ، وَمَنْ صَدَقَ فِي تَرْكِ شَهْوَةٍ ذَهَبَ اللَّهُ بِهَا مِنْ قَلْبِهِ ، وَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ قَلْبًا بِشَهْوَةٍ
[ ص: 149 ] تُرِكَتْ لَهُ . وَقَالَ : إِذَا سَكَنَتِ الدُّنْيَا الْقَلْبَ تَرَحَّلَتْ مِنْهُ الْآخِرَةُ . وَقَالَ : إِذَا كَانَتِ الْآخِرَةُ فِي الْقَلْبِ جَاءَتِ الدُّنْيَا تَزْحَمُهَا ، وَإِذَا كَانَتِ الدُّنْيَا فِي الْقَلْبِ لَمْ تَزْحَمْهَا الْآخِرَةُ ؛ إِنَّ الْآخِرَةَ كَرِيمَةٌ وَالدُّنْيَا لَئِيمَةٌ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ
أَبِي سُلَيْمَانَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ لَئِنْ طَالَبْتَنِي بِذُنُوبِي لَأُطَالِبَنَّكَ بِعَفْوِكَ وَلَئِنْ طَالَبْتَنِي بِبُخْلِي لَأُطَالِبَنَّكَ بِسَخَائِكَ ، وَلَئِنْ أَمَرْتَ بِي إِلَى النَّارِ لَأُخْبِرَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَنِّي أُحِبُّكَ . وَكَانَ
أَبُو سُلَيْمَانَ يَقُولُ : لَوْ شَكَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي الْحَقِّ مَا شَكَكْتُ فِيهِ وَحْدِي . وَكَانَ يَقُولُ : مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِبْلِيسَ ، وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَتَعَوَّذَ مِنْهُ مَا تَعَوَّذْتُ مِنْهُ أَبَدًا ، وَلَوْ بَدَا لِي مَا لَطَمْتُ
[ ص: 150 ] إِلَّا صَفْحَةَ وَجْهِهِ . وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ اللِّصَّ لَا يَجِيءُ إِلَى خَرِبَةٍ يَنْقُبُ حِيطَانَهَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الدُّخُولِ إِلَيْهَا مِنْ أَيِّ مَكَانٍ شَاءَ ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ إِلَى بَيْتٍ مَعْمُورٍ ، كَذَلِكَ إِبْلِيسُ لَا يَجِيءُ إِلَّا إِلَى كُلِّ قَلْبٍ عَامِرٍ لِيَسْتَنْزِلَهُ عَنْ شَيْءٍ .
وَكَانَ يَقُولُ : إِذَا أَخْلَصَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَنْهُ كَثْرَةُ الْوَسْوَاسِ وَالرِّيَاءِ وَالرُّؤْيَا . وَقَالَ : مَكَثْتُ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ أَحْتَلِمْ ، فَدَخَلْتُ
مَكَّةَ فَفَاتَتْنِي صَلَاةُ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ فَاحْتَلَمْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ . وَقَالَ : إِنَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ قَوْمًا لَا يَشْغَلُهُمُ الْجِنَانُ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ عَنْهُ ، فَكَيْفَ تَشْتَغِلُونَ بِالدُّنْيَا ؟ وَقَالَ : الدُّنْيَا عِنْدَ اللَّهِ أَقَلُّ مِنْ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ ، فَمَا الزُّهْدُ فِيهَا ؟ وَإِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الْجِنَانِ وَالْحُورِ الْعِينِ ، حَتَّى لَا يَرَى اللَّهُ فِي قَلْبِكَ غَيْرَهُ .
وَقَالَ
الْجُنَيْدُ : شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ
أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَا اسْتَحْسَنْتُهُ كَثِيرًا ؛ قَوْلُهُ : مَنِ
[ ص: 151 ] اشْتَغَلَ بِنَفْسِهِ شُغِلَ عَنِ النَّاسِ ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِرَبِّهِ شُغِلَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ النَّاسِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : كَانَ
أَبُو سُلَيْمَانَ يَقُولُ : خَيْرُ السَّخَاءِ مَا وَافَقَ الْحَاجَةَ . وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا وَاسْتِعْفَافًا عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَاسْتِغْنَاءً عَنِ النَّاسِ ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَوَجْهُهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا ، مُفَاخِرًا وَمُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ . وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا مَرْفُوعًا .
وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : إِنَّ قَوْمًا طَلَبُوا الْغِنَى فَحَسِبُوا أَنَّهُ فِي جَمْعِ الْمَالِ ، أَلَا وَإِنَّمَا الْغِنَى فِي الْقَنَاعَةِ ، وَطَلَبُوا الرَّاحَةَ فِي الْكَثْرَةِ ، وَإِنَّمَا الرَّاحَةُ فِي الْقِلَّةِ ، وَطَلَبُوا الْكَرَامَةَ مِنَ الْخَلْقِ ، أَلَا وَهِيَ فِي التَّقْوَى ، وَطَلَبُوا النِّعْمَةَ فِي اللِّبَاسِ الرَّقِيقِ اللَّيِّنِ ، وَفِي طَعَامٍ طَيِّبٍ ، وَالنِّعْمَةُ فِي
[ ص: 152 ] الْإِسْلَامِ وَالسَّتْرِ وَالْعَافِيَةِ . وَكَانَ يَقُولُ : لَوْلَا قِيَامُ اللَّيْلِ مَا أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا ، وَمَا أُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا لِتَشْقِيقِ الْأَنْهَارِ وَلَا لِغَرْسِ الْأَشْجَارِ .
وَقَالَ : أَهْلُ الطَّاعَةِ فِي لَيْلِهِمْ أَلَذُّ مِنْ أَهْلِ اللَّهْوِ فِي لَهْوِهِمْ . وَقَالَ : رُبَّمَا اسْتَقْبَلَنِي الْفَرَحُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، وَرُبَّمَا رَأَيْتُ الْقَلْبَ يَضْحَكُ ضَحِكًا .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَوَارِيِّ : سَمِعْتُ
أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ : بَيْنَا أَنَا سَاجِدٌ ، إِذْ ذَهَبَ بِيَ النَّوْمُ ، فَإِذَا أَنَا بِهَا - يَعْنِي الْحَوْرَاءَ - قَدْ رَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا ، فَقَالَتْ : حَبِيبِي ، أَتَرْقُدُ عَيْنَاكَ وَالْمَلِكُ يَقْظَانُ يَنْظُرُ إِلَى الْمُتَهَجِّدِينَ فِي
[ ص: 153 ] تَهَجُّدِهِمْ ؟ بُؤْسًا لَعِينٍ آثَرَتْ لَذَّةَ نَوْمَةٍ عَلَى لَذَّةِ مُنَاجَاةِ الْعَزِيزِ ، قُمْ فَقَدْ دَنَا الْفَرَاغُ وَلَقِيَ الْمُحِبُّونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَمَا هَذَا الرُّقَادُ ؟ حَبِيبِي وَقُرَّةَ عَيْنِي ، أَتَرْقُدُ عَيْنَاكَ وَأَنَا أُرَبَّى لَكَ فِي الْخُدُورِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ؟ فَوَثَبْتُ فَزِعًا وَقَدْ عَرِقْتُ اسْتِحْيَاءً مِنْ تَوْبِيخِهَا إِيَّايَ ، وَإِنَّ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهَا لَفِي سَمْعِي وَقَلْبِي .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : دَخَلْتُ عَلَى
أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِذَا هُوَ يَبْكِي ، فَقُلْتُ : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : زُجِرْتُ الْبَارِحَةَ فِي مَنَامِي . قُلْتُ : مَا الَّذِي حَلَّ بِكَ ؟ قَالَ : بَيْنَا أَنَا قَدْ غَفَوْتُ فِي مِحْرَابِي إِذْ وَقَفَتْ عَلَيَّ جَارِيَةٌ تَفُوقُ الدُّنْيَا حُسْنًا ، وَبِيَدِهَا وَرَقَةٌ وَهِيَ تَقُولُ : أَتَنَامُ يَا شَيْخُ ؟ فَقُلْتُ : مَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ نَامَ . فَقَالَتْ : كَلَّا إِنَّ طَالِبَ الْجَنَّةِ لَا يَنَامُ . ثُمَّ قَالَتْ : أَتَقْرَأُ ؟ فَأَخَذْتُ الْوَرَقَةَ مِنْ يَدِهَا ، فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ :
لَهَتْ بِكَ لَذَّةٌ عَنْ حُسْنِ عَيْشٍ مَعَ الْخَيْرَاتِ فِي غُرَفِ الْجِنَانِ تَعِيشُ مُخَلَّدًا لَا مَوْتَ فِيهَا
وَتَنْعَمُ فِي الْجِنَانِ مَعَ الْحِسَانِ تَيَقَّظْ مِنْ مَنَامِكَ إِنَّ خَيْرًا
مِنَ النَّوْمِ التَّهَجُّدُ بِالْقُرَانِ
[ ص: 154 ] وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : أَمَا يَسْتَحِي أَحَدُهُمْ أَنْ يَلْبَسَ عَبَاءَةً بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَفِي قَلْبِهِ شَهْوَةٌ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ ؟ وَقَالَ أَيْضًا : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ الزُّهْدَ وَالشَّهَوَاتُ فِي قَلْبِهِ ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا ، جَازَ أَنْ يُظْهِرَ لِلنَّاسِ الزُّهْدَ بِلُبْسِ الْعَبَاءِ ، فَإِنَّهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الزُّهَّادِ ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِيَسْتُرَ بِهِمَا أَبْصَارَ النَّاسِ عَنْهُ كَانَ أَسْلَمَ لِزُهْدِهِ . وَكَانَ يَقُولُ أَيْضًا : إِذَا رَأَيْتَ الصُّوفِيَّ يَتَنَوَّقُ فِي لُبْسِ الصُّوفِ ، فَلَيْسَ بِصُوفِيٍّ ، وَخِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَصْحَابُ الْقُطْنِ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأَصْحَابُهُ . وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : إِنَّمَا الْأَخُ الَّذِي يَعِظُكَ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ كَلَامِهِ ، وَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْأَخِ مِنْ أَصْحَابِي
بِالْعِرَاقِ فَأَنْتَفِعُ بِرُؤْيَتِهِ شَهْرًا . وَقَالَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : " عَبْدِي ، إِنَّكَ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنْسَيْتُ النَّاسَ عُيُوبَكَ ، وَأَنْسَيْتُ بِقَاعَ الْأَرْضِ ذُنُوبَكَ ، وَمَحَوْتُ زَلَّاتِكَ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ ، وَلَا أُنَاقِشُكَ فِي الْحِسَابِ
[ ص: 155 ] يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وَقَالَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ : سَأَلْتُ
أَبَا سُلَيْمَانَ عَنِ الصَّبْرِ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الَّذِي تُحِبُّ ، فَكَيْفَ فِيمَا تَكْرَهُ ؟ قَالَ
أَحْمَدُ : تَنَهَّدْتُ عِنْدَهُ يَوْمًا ، فَقَالَ : إِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَنْبٍ سَلَفَ فَطُوبَى لَكَ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الدُّنْيَا فَوَيْلٌ لَكَ . وَقَالَ : إِنَّمَا رَجَعَ مِنَ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْوُصُولِ ، وَلَوْ وَصَلُوا إِلَى اللَّهِ مَا رَجَعُوا . وَقَالَ : إِنَّمَا عَصَى اللَّهَ مَنْ عَصَاهُ لِهَوَانِهِمْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَرُمُوا عَلَيْهِ لَحَجَزَهُمْ عَنْ مَعَاصِيهِ . وَقَالَ : جُلَسَاءُ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ جَعَلَ فِيهِمْ خِصَالًا : الْكَرَمَ وَالْحِلْمَ ، وَالْعِلْمَ وَالْحِكْمَةَ ، وَالرِّقَّةَ ، وَالرَّحْمَةَ ، وَالْفَضْلَ ، وَالصَّفْحَ ، وَالْإِحْسَانَ وَالْبِرَّ ، وَالْعَفْوَ وَاللُّطْفَ .
وَذَكَرَ
أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ " " مِحَنِ الْمَشَايِخِ " " ، أَنَّ
أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ أُخْرِجَ مِنْ
دِمَشْقَ وَقَالُوا : إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَرَى الْمَلَائِكَةَ
[ ص: 156 ] وَيُكَلِّمُونَهُ . فَخَرَجَ إِلَى بَعْضِ الثُّغُورِ فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ
دِمَشْقَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِمْ هَلَكُوا ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ وَتَشَفَّعُوا إِلَيْهِ ، حَتَّى رَدُّوهُ .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَفَاتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ ؛ فَقِيلَ : سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ . وَقِيلَ : سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ . وَقِيلَ : سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ . وَقِيلَ : سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ قَالَ
مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ يَوْمَ مَاتَ
أَبُو سُلَيْمَانَ : لَقَدْ أُصِيبَ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كُلُّهِمْ .
قُلْتُ : وَقَدْ دُفِنَ فِي قَرْيَةِ دَارَيَّا ، وَقَبْرُهُ بِهَا مَشْهُورٌ وَعَلَيْهِ بِنَاءٌ ، وَقِبْلَتُهُ مَسْجِدٌ بَنَاهُ الْأَمِيرُ
نَاهِضُ الدِّينِ عُمَرُ الْمِهْرَانِيُّ ، وَوَقَفَ عَلَى الْمُقِيمِينَ عِنْدَهُ وَقْفًا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ غَلَّةٌ ، وَقَدْ جَدَّدَ مَزَارَهُ فِي زَمَانِنَا هَذَا ، وَلَمْ أَرَ الْحَافِظَ
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنَ عَسَاكِرَ تَعَرَّضَ لِمَوْضِعِ دَفْنِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَهَذَا عَجَبٌ مِنْهُ . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابْنُ عَسَاكِرَ ، عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ : كُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَرَى
أَبَا سُلَيْمَانَ فِي الْمَنَامِ فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ ، فَقُلْتُ : مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا مُعَلِّمُ ؟ فَقَالَ : يَا
أَحْمَدُ ، دَخَلْتُ يَوْمًا مِنْ بَابِ الصَّغِيرِ فَرَأَيْتُ حِمْلَ شِيحٍ ، فَأَخَذْتُ مِنْهُ عُودًا ، فَمَا أَدْرِي تَخَلَّلْتُ بِهِ أَوْ رَمَيْتُهُ ، فَأَنَا فِي
[ ص: 157 ] حِسَابِهِ إِلَى الْآنِ .
وَقَدْ تُوُفِّيَ ابْنُهُ
سُلَيْمَانُ بَعْدَهُ بِنَحْوٍ مِنْ سَنَتَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى .