وممن توفي بها من الأعيان :
الخليفة الظاهر كما تقدم
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33946الجمال المصري يونس بن بدران بن فيروز ، جمال الدين المصري ، قاضي القضاة
بدمشق في هذا الحين ، اشتغل وحصل وبرع ، واختصر كتاب " الأم "
[ ص: 153 ] للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وله كتاب مطول في الفرائض ، وولي تدريس الأمينية بعد
التقي صالح الضرير الذي قتل نفسه ، ولاه إياها الوزير
صفي الدين بن شكر ، وكان معتنيا بأمره . ثم ولي وكالة بيت المال
بدمشق ، وترسل إلى الملوك والخلفاء عن صاحب
دمشق ، ثم ولاه
المعظم قضاء القضاة
بدمشق بعد عزله
الزكي بن الزكي ، وولاه تدريس العادلية الكبيرة حين كمل بناؤها ، فكان أول من درس بها ، وحضر عنده الأعيان كما ذكرنا .
وكان يقول أولا درسا في التفسير حتى أكمل التفسير إلى آخره ، ثم توفي عقب ذلك ، ويقال : درس الفقه بعد التفسير .
وكان يعتمد في أمر إثبات السجلات اعتمادا حسنا ، وهو أنه كان يجلس في كل يوم جمعة بكرة ويوم الثلاثاء ، ويستحضر عنده في إيوان العادلية جميع شهود البلد ، ومن كان له كتاب يثبته حضر واستدعى شهوده ، فأدوا على الحاكم ، وثبت ذلك سريعا . وكان يجلس كل يوم جمعة بعد العصر في الشباك الكمالي بمشهد
عثمان ، فيحكم حتى يصلي المغرب ، وربما مكث حتى يصلي العشاء أيضا ، وكان كثير المذاكرة للعلم ، كثير الاشتغال ، حسن الطريقة ، لم ينقم عليه أنه أخذ شيئا لأحد .
قال
أبو شامة : وإنما كان ينقم عليه أنه كان يشير على بعض الورثة بمصالحة بيت المال ، وأنه استناب ولده
التاج محمدا ، ولم يكن مرضي الطريقة ، وأما هو فكان عفيفا في نفسه نزها مهيبا . قال
أبو شامة : وكان يدعي أنه قرشي شيبي ، فتكلم الناس فيه بسبب ذلك ، وتولى القضاء بعده
شمس الدين [ ص: 154 ] أحمد بن الخليلي الخويي .
قلت : وكانت وفاته في ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن بداره التي في
رأس درب الريحان من ناحية الجامع ، ولتربته شباك شرقي المدرسة الصدرية اليوم ، وقد قال فيه
ابن عنين - وكان هجاه - :
ما قصر المصري في فعله إذ جعل التربة في داره أراح للأحياء من رجمه
وأبعد الأموات من ناره
المعتمد nindex.php?page=treesubj&link=34064_33940والي دمشق
المبارز إبراهيم ، المعروف بالمعتمد والي
دمشق ، وكان من خيار الولاة وأعفهم وأحسنهم سيرة وأجودهم سريرة ، أصله من
الموصل ، وقدم
الشام ، فخدم
فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب ، ثم استنابه
البدر مودود أخو
فرخشاه . وكان شحنة
دمشق ، فحمدت سيرته في ذلك ، ثم صار هو شحنة
دمشق أربعين سنة ، فجرت في أيامه عجائب وغرائب ، وكان كثير الستر على ذوي الهيئات ، ولاسيما من كان من أبناء الناس وأهل البيوتات ، واتفق في أيامه أن رجلا حائكا كان له ابن صغير ، في آذانه حلق ، فعدا عليه رجل من جيرانهم ، فقتله غيلة ، وأخذ ما عليه من الحلي ، ودفنه في بعض المقابر ،
[ ص: 155 ] فاشتكوا عليه فلم يقر بشيء ، وتألمت والدته من ذلك ، وسألت زوجها أن يطلقها ، فطلقها ، فذهبت إلى ذلك الرجل الذي قتل ولدها ، وسألته أن يتزوجها ، وأظهرت له أنها أحبته فتزوجها ، ومكثت عنده حينا ، ثم سألته في بعض الأوقات عن ولدها الذي اشتكوا عليه بسببه ، فقال : نعم ، أنا قتلته . فقالت : أشتهي أن تريني قبره حتى أنظر إليه . فذهب بها إلى قبر خشخاشة ، ففتحه فنظرت إلى ولدها ، فاستعبرت وقد أخذت معها سكينا أعدتها لهذا اليوم ، فضربته حتى قتلته ، ودفنته مع ولدها في ذلك القبر ، فجاء أهل المقبرة ، فحملوها إلى الوالي
المعتمد هذا ، فسألها فذكرت له خبرها ، فاستحسن ذلك منها ، وأطلقها وأحسن إليها .
وحكى هو
للسبط قال : بينما أنا يوما خارج من باب الفرج ، وإذا برجل يحمل طبلا وهو سكران ، فأمرت به فضرب الحد ، وأمرتهم فكسروا الطبل ، وإذا ركوة كبيرة خمرا فشقوها ، وكان
العادل قد منع أن يعصر خمر ويحمل إلى
دمشق شيء منه بالكلية ، فكان الناس يتحيلون بأنواع الحيل ولطائف المكر . قال
السبط : فسألته من أين علمت أن في الطبل شيئا . فقال : رأيته يمشي وترجف ساقاه ، فعرفت أنه يحمل شيئا ثقيلا في الطبل .
وله من هذا الجنس غرائب . وقد عزله
المعظم ، وكان في نفسه منه ، وسجنه في القلعة نحوا من خمس سنين ، ونادى عليه في البلد ، فلم يجئ أحد ذكر أنه
[ ص: 156 ] أخذ منه حبة خردل ، ولما مات - رحمه الله - دفن بتربته المجاورة لمدرسة
أبي عمر من شامها قبلي السوق ، وله عند تربته مسجد يعرف به - رحمه الله - .
واقف الشبلية التي بطريق الصالحية
شبل الدولة كافور الحسامي ، نسبة إلى
حسام الدين محمد بن لاجين ولد
ست الشام ، وهو الذي كان مستحثا على عمارة الشامية البرانية لمولاته
ست الشام ، وهو الذي بنى الشبلية للحنفية والخانقاه على
الصوفية إلى جانبها ، وكانت منزله ، ووقف القناة والمصنع والساباط ، وفتح للناس طريقا من عند المقبرة غربي الشامية البرانية إلى طريق
عين الكرش ، ولم يكن الناس لهم طريق إلى الجبل من هناك ، إنما كانوا يسلكون من عند مسجد الصفي
بالعقيبة ، رحمه الله تعالى ، وكانت وفاته في رجب ، ودفن في تربته التي كانت مدرسة ، وقد سمع الحديث على الكندي وغيره .
واقف الرواحية بدمشق وحلب nindex.php?page=treesubj&link=34064أبو القاسم هبة الله المعروف بابن رواحة ، كان أحد التجار وذوي الثروة والمعدلين
بدمشق ، وكان في غاية الطول والعرض ، ولا لحية له ، وقد ابتنى المدرسة الرواحية داخل باب الفراديس ووقفها على الشافعية ، وفوض نظرها وتدريسها إلى الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12795تقي الدين بن الصلاح الشهرزوري ، وله
بحلب مدرسة أخرى مثلها ، وقد انقطع في آخر عمره في المدرسة التي
بدمشق . وكان يسكن البيت الذي في
[ ص: 157 ] إيوانها من الشرق ، ورغب فيما بعد أن يدفن فيه إذا مات ، فلم يمكن من ذلك ، بل دفن بمقابر
الصوفية ، وبعد وفاته شهد
nindex.php?page=showalam&ids=12816محيي الدين بن عربي الطائي الصوفي ، وتقي الدين خزعل النحوي المصري المقدسي - إمام مشهد علي - شهدا على
ابن رواحة بأنه عزل الشيخ
تقي الدين عن هذه المدرسة ، فجرت خطوب طويلة ، ولم ينتظم ما راموه ، ومات
خزعل في هذه السنة أيضا ، فبطل ما سلكوه .
أبو محمد محمود بن مودود بن محمود ، بن بلدجي الحنفي الموصلي ، وله بها مدرسة تعرف به ، وكان من أبناء
الترك ، وصار من مشايخ العلماء الحنفية ، وله دين متين ، وشعر حسن جيد ، فمنه قوله :
من ادعى أن له حالة تخرجه عن منهج الشرع
فلا تكونن له صاحبا فإنه خرء بلا نفع
كانت وفاته
بالموصل في السادس والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة ، وله نحو من ثمانين سنة رحمه الله تعالى .
ياقوت ويقال له :
يعقوب بن عبد الله ، نجيب الدين مولى الشيخ تاج الدين الكندي ، وقد وقف عليه الشيخ الكتب التي بالخزانة بالزاوية الشرقية الشمالية من جامع
دمشق ، وكانت سبعمائة وأحدا وستين مجلدا ، ثم على ولده من بعده ، ثم على العلماء ، فتمحقت هذه الكتب ، وبيع أكثرها ، وقد كان
ياقوت هذا لديه فضيلة وأدب وشعر جيد ، وكانت وفاته
ببغداد في مستهل رجب ، ودفن بمقبرة
الخيزران بالقرب من مشهد
أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - .
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ بِهَا مِنَ الْأَعْيَانِ :
الْخَلِيفَةُ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=34064_33946الْجَمَالُ الْمِصْرِيُّ يُونُسُ بْنُ بَدْرَانَ بْنِ فَيْرُوزَ ، جَمَالُ الدِّينِ الْمِصْرِيُّ ، قَاضِي الْقُضَاةِ
بِدِمَشْقَ فِي هَذَا الْحِينِ ، اشْتَغَلَ وَحَصَّلَ وَبَرَعَ ، وَاخْتَصَرَ كِتَابَ " الْأُمِّ "
[ ص: 153 ] لِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَلَهُ كِتَابٌ مُطَوَّلٌ فِي الْفَرَائِضِ ، وَوَلِيَ تَدْرِيسَ الْأَمِينِيَّةِ بَعْدَ
التَّقِيِّ صَالِحِ الضَّرِيرِ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ ، وَلَّاهُ إِيَّاهَا الْوَزِيرُ
صَفِيُّ الدِّينِ بْنُ شُكْرٍ ، وَكَانَ مُعْتَنِيًا بِأَمْرِهِ . ثُمَّ وَلِيَ وِكَالَةَ بَيْتِ الْمَالِ
بِدِمَشْقَ ، وَتَرَسَّلَ إِلَى الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ عَنْ صَاحِبِ
دِمَشْقَ ، ثُمَّ وَلَّاهُ
الْمُعَظَّمُ قَضَاءَ الْقُضَاةِ
بِدِمَشْقَ بَعْدَ عَزْلِهِ
الزَّكِيَّ بْنَ الزَّكِيِّ ، وَوَلَّاهُ تَدْرِيسَ الْعَادِلِيَّةِ الْكَبِيرَةِ حِينَ كَمَلَ بِنَاؤُهَا ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَرَّسَ بِهَا ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ الْأَعْيَانُ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا دَرْسًا فِي التَّفْسِيرِ حَتَّى أَكْمَلَ التَّفْسِيرَ إِلَى آخِرِهِ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَقِبَ ذَلِكَ ، وَيُقَالُ : دَرَّسَ الْفِقْهَ بَعْدَ التَّفْسِيرِ .
وَكَانَ يَعْتَمِدُ فِي أَمْرِ إِثْبَاتِ السِّجِلَّاتِ اعْتِمَادًا حَسَنًا ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ بُكْرَةً وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ، وَيَسْتَحْضِرُ عِنْدَهُ فِي إِيوَانِ الْعَادِلِيَّةِ جَمِيعَ شُهُودِ الْبَلَدِ ، وَمَنْ كَانَ لَهُ كِتَابٌ يُثْبِتُهُ حَضَرَ وَاسْتَدْعَى شُهُودَهُ ، فَأَدَّوْا عَلَى الْحَاكِمِ ، وَثَبَتَ ذَلِكَ سَرِيعًا . وَكَانَ يَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الشُّبَّاكِ الْكَمَالِيِّ بِمَشْهَدِ
عُثْمَانَ ، فَيَحْكُمُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ ، وَرُبَّمَا مَكَثَ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ أَيْضًا ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمُذَاكَرَةِ لِلْعِلْمِ ، كَثِيرَ الِاشْتِغَالِ ، حَسَنَ الطَّرِيقَةِ ، لَمْ يُنْقَمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا لِأَحَدٍ .
قَالَ
أَبُو شَامَةَ : وَإِنَّمَا كَانَ يُنْقَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمُصَالَحَةِ بَيْتِ الْمَالِ ، وَأَنَّهُ اسْتَنَابَ وَلَدَهُ
التَّاجَ مُحَمَّدًا ، وَلَمْ يَكُنْ مَرْضِيَّ الطَّرِيقَةِ ، وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ عَفِيفًا فِي نَفْسِهِ نَزِهًا مَهِيبًا . قَالَ
أَبُو شَامَةَ : وَكَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ قُرَشِيٌّ شَيْبِيٌّ ، فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ، وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَهُ
شَمْسُ الدِّينِ [ ص: 154 ] أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِيِّ الْخُوَيِّيُّ .
قُلْتُ : وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ الَّتِي فِي
رَأْسِ دَرْبِ الرَّيْحَانِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَامِعِ ، وَلِتُرْبَتِهِ شُبَّاكٌ شَرْقِيَّ الْمَدْرَسَةِ الصَّدْرِيَّةِ الْيَوْمَ ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ
ابْنُ عُنَيْنٍ - وَكَانَ هَجَاهُ - :
مَا قَصَّرَ الْمِصْرِيُّ فِي فِعْلِهِ إِذْ جَعَلَ التُّرْبَةَ فِي دَارِهِ أَرَاحَ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ رَجْمِهِ
وَأَبْعَدَ الْأَمْوَاتَ مِنْ نَارِهِ
الْمُعْتَمِدُ nindex.php?page=treesubj&link=34064_33940وَالِي دِمَشْقَ
الْمُبَارِزُ إِبْرَاهِيمُ ، الْمَعْرُوفُ بِالْمُعْتَمِدِ وَالِي
دِمَشْقَ ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الْوُلَاةِ وَأَعَفِّهِمْ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً وَأَجْوَدِهِمْ سَرِيرَةً ، أَصْلُهُ مِنَ
الْمَوْصِلِ ، وَقَدِمَ
الشَّامَ ، فَخَدَمَ
فَرُّخْشَاهْ بْنَ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ
الْبَدْرُ مَوْدُودٌ أَخُو
فَرُّخْشَاهْ . وَكَانَ شِحْنَةَ
دِمَشْقَ ، فَحُمِدَتْ سِيرَتُهُ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ صَارَ هُوَ شِحْنَةَ
دِمَشْقَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَجَرَتْ فِي أَيَّامِهِ عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ ، وَكَانَ كَثِيرَ السَّتْرِ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ ، وَلَاسِيَّمَا مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ ، وَاتَّفَقَ فِي أَيَّامِهِ أَنَّ رَجُلًا حَائِكًا كَانَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ ، فِي آذَانِهِ حَلَقٌ ، فَعَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ ، فَقَتَلَهُ غِيلَةً ، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحُلِيِّ ، وَدَفَنَهُ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ ،
[ ص: 155 ] فَاشْتَكَوْا عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ ، وَتَأَلَّمَتْ وَالِدَتُهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَسَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يُطْلِّقَهَا ، فَطَلَّقَهَا ، فَذَهَبَتْ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قَتَلَ وَلَدَهَا ، وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَأَظْهَرَتْ لَهُ أَنَّهَا أَحَبَّتْهُ فَتَزَوَّجَهَا ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ حِينًا ، ثُمَّ سَأَلَتْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَنْ وَلَدِهَا الَّذِي اشْتَكَوْا عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، أَنَا قَتَلْتُهُ . فَقَالَتْ : أَشْتَهِي أَنْ تُرِيَنِي قَبْرَهُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ . فَذَهَبَ بِهَا إِلَى قَبْرٍ خَشْخَاشَةٍ ، فَفَتَحَهُ فَنَظَرَتْ إِلَى وَلَدِهَا ، فَاسْتَعْبَرَتْ وَقَدْ أَخَذَتْ مَعَهَا سِكِّينًا أَعَدَّتْهَا لِهَذَا الْيَوْمِ ، فَضَرَبَتْهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ ، وَدَفَنَتْهُ مَعَ وَلَدِهَا فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ ، فَجَاءَ أَهْلُ الْمَقْبَرَةِ ، فَحَمَلُوهَا إِلَى الْوَالِي
الْمُعْتَمِدِ هَذَا ، فَسَأَلَهَا فَذَكَرَتْ لَهُ خَبَرَهَا ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهَا ، وَأَطْلَقَهَا وَأَحْسَنَ إِلَيْهَا .
وَحَكَى هُوَ
لِلسِّبْطِ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا خَارِجٌ مِنْ بَابِ الْفَرَجِ ، وَإِذَا بِرَجُلٍ يَحْمِلُ طَبْلًا وَهُوَ سَكْرَانُ ، فَأَمَرْتُ بِهِ فَضُرِبَ الْحَدَّ ، وَأَمَرْتُهُمْ فَكَسَرُوا الطَّبْلَ ، وَإِذَا رِكْوَةٌ كَبِيرَةٌ خَمْرًا فَشَقُّوهَا ، وَكَانَ
الْعَادِلُ قَدْ مَنَعَ أَنْ يُعْصَرَ خَمْرٌ وَيُحْمَلَ إِلَى
دِمَشْقَ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَكَانَ النَّاسُ يَتَحَيَّلُونَ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَلَطَائِفِ الْمَكْرِ . قَالَ
السِّبْطُ : فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ أَنَّ فِي الطَّبْلِ شَيْئًا . فَقَالَ : رَأَيْتُهُ يَمْشِي وَتَرْجُفُ سَاقَاهُ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَحْمِلُ شَيْئًا ثَقِيلًا فِي الطَّبْلِ .
وَلَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ غَرَائِبُ . وَقَدْ عَزَلَهُ
الْمُعَظَّمُ ، وَكَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ ، وَسَجَنَهُ فِي الْقَلْعَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ ، وَنَادَى عَلَيْهِ فِي الْبَلَدِ ، فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ ذَكَرَ أَنَّهُ
[ ص: 156 ] أَخَذَ مِنْهُ حَبَّةَ خَرْدَلٍ ، وَلَمَّا مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَدْرَسَةِ
أَبِي عُمَرَ مِنْ شَامِهَا قِبْلِيَّ السُّوقِ ، وَلَهُ عِنْدَ تُرْبَتِهِ مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - .
وَاقِفُ الشِّبْلِيَّةِ الَّتِي بِطَرِيقِ الصَّالِحِيَّةِ
شِبْلُ الدَّوْلَةِ كَافُورٌ الْحُسَامِيُّ ، نِسْبَةً إِلَى
حُسَامِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ لَاجِينَ وَلَدِ
سِتِّ الشَّامِ ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مُسْتَحِثًّا عَلَى عِمَارَةِ الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ لِمَوْلَاتِهِ
سِتِّ الشَّامِ ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الشِّبْلِيَّةَ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْخَانْقَاهَ عَلَى
الصُّوفِيَّةِ إِلَى جَانِبِهَا ، وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ ، وَوَقَفَ الْقَنَاةَ وَالْمَصْنَعَ وَالسَّابَاطَ ، وَفَتَحَ لِلنَّاسِ طَرِيقًا مِنْ عِنْدِ الْمَقْبَرَةِ غَرْبِيَّ الشَّامِيَّةِ الْبَرَّانِيَّةِ إِلَى طَرِيقِ
عَيْنِ الْكِرْشِ ، وَلَمْ يَكُنِ النَّاسُ لَهُمْ طَرِيقٌ إِلَى الْجَبَلِ مِنْ هُنَاكَ ، إِنَّمَا كَانُوا يَسْلُكُونَ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ الصَّفِيِّ
بِالْعُقَيْبَةِ ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَجَبٍ ، وَدُفِنَ فِي تُرْبَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مَدْرَسَةً ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ عَلَى الْكِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ .
وَاقِفُ الرَّوَاحِيَّةِ بِدِمَشْقَ وَحَلَبَ nindex.php?page=treesubj&link=34064أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَوَاحَةَ ، كَانَ أَحَدَ التُّجَّارِ وَذَوِي الثَّرْوَةِ وَالْمُعَدَّلِينَ
بِدِمَشْقَ ، وَكَانَ فِي غَايَةِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ ، وَلَا لِحْيَةَ لَهُ ، وَقَدِ ابْتَنَى الْمَدْرَسَةَ الرَّوَاحِيَّةَ دَاخِلَ بَابِ الْفَرَادِيسِ وَوَقَفَهَا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ ، وَفَوَّضَ نَظَرَهَا وَتَدْرِيسَهَا إِلَى الشَّيْخِ
nindex.php?page=showalam&ids=12795تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ الشَّهْرَزُورِيِّ ، وَلَهُ
بِحَلَبَ مَدْرَسَةٌ أُخْرَى مِثْلُهَا ، وَقَدِ انْقَطَعَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فِي الْمَدْرَسَةِ الَّتِي
بِدِمَشْقَ . وَكَانَ يَسْكُنُ الْبَيْتَ الَّذِي فِي
[ ص: 157 ] إِيوَانِهَا مِنَ الشَّرْقِ ، وَرَغِبَ فِيمَا بَعْدُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ إِذَا مَاتَ ، فَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ دُفِنَ بِمَقَابِرِ
الصُّوفِيَّةِ ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ شَهِدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12816مُحْيِي الدِّينِ بْنُ عَرَبِيٍّ الطَّائِيُّ الصُّوفِيُّ ، وَتَقِيُّ الدِّينِ خَزْعَلٌ النَّحْوِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَقْدِسِيُّ - إِمَامُ مَشْهَدِ عَلِيٍّ - شَهِدَا عَلَى
ابْنِ رَوَاحَةَ بِأَنَّهُ عَزَلَ الشَّيْخَ
تَقِيَّ الدِّينِ عَنْ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ ، فَجَرَتْ خُطُوبٌ طَوِيلَةٌ ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ مَا رَامُوهُ ، وَمَاتَ
خَزْعَلٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا ، فَبَطَلَ مَا سَلَكُوهُ .
أَبُو مُحَمَّدٍ مَحْمُودُ بْنُ مَوْدُودِ بْنِ مَحْمُودِ ، بْنِ بَلْدِجِيٍّ الْحَنَفِيُّ الْمَوْصِلِيُّ ، وَلَهُ بِهَا مَدْرَسَةٌ تُعْرَفُ بِهِ ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ
التُّرْكِ ، وَصَارَ مِنْ مَشَايِخِ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَلَهُ دِينٌ مَتِينٌ ، وَشِعْرٌ حَسَنٌ جَيِّدٌ ، فَمِنْهُ قَوْلُهُ :
مَنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ حَالَةً تُخْرِجُهُ عَنْ مَنْهَجِ الشَّرْعِ
فَلَا تَكُونَنَّ لَهُ صَاحِبًا فَإِنَّهُ خُرْءٌ بِلَا نَفْعِ
كَانَتْ وَفَاتُهُ
بِالْمَوْصِلِ فِي السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ، وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
يَاقُوتٌ وَيُقَالُ لَهُ :
يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، نَجِيبُ الدِّينِ مَوْلَى الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ الْكِنْدِيِّ ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْكُتُبَ الَّتِي بِالْخِزَانَةِ بِالزَّاوِيَةِ الشَّرْقِيَّةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنْ جَامِعِ
دِمَشْقَ ، وَكَانَتْ سَبْعَمِائَةٍ وَأَحَدًا وَسِتِّينَ مُجَلَّدًا ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، ثُمَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ ، فَتَمَحَّقَتْ هَذِهِ الْكُتُبُ ، وَبِيعَ أَكْثَرُهَا ، وَقَدْ كَانَ
يَاقُوتٌ هَذَا لَدَيْهِ فَضِيلَةٌ وَأَدَبٌ وَشِعْرٌ جَيِّدٌ ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ
بِبَغْدَادَ فِي مُسْتَهَلِّ رَجَبٍ ، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَةِ
الْخَيْزُرَانِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَشْهَدِ
أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - .