nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28975ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=70ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما .
الصراط المستقيم في الآية السابقة هو الصراط الذي سار عليه عباد الله المصطفون الأخيار ، الذين أنعم الله عليهم بمعرفة الحق واتباعه ، وعمل الخيرات واجتناب الفواحش والمنكرات ، وهم الأصناف الأربعة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول إلخ ، وكان الظاهر بادي الرأي أن يقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68ولهديناهم صراطا مستقيما ، صراط أولئك الذين أنعم الله عليهم ، أو فكانوا مع الذين أنعم الله عليهم ، أو ما هو بهذا المعنى ، ولكن أعيد ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=30491_18278طاعة الله ورسوله ؛ لأنه هو الأصل المراد في السياق ، الذي تكون سعادة صحبة من أنعم الله عليهم جزاء له ، أي : إن كل من يطيع الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الوجه المبين في الآيات من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول إلى قوله :
[ ص: 198 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68ولهديناهم صراطا مستقيما ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وما قيل من أن الطاعة تصدق بامتثال أمر واحد مرة واحدة وما يبنى عليه من الجواب هو مما اعتادوه من اختراع الإيرادات والأجوبة عنها ، وإن كان السياق يأباها ، فهذه الطاعة هي التي يدخل فيها إيثار حكم الله ورسوله على حكم الطاغوت من أهل الأهواء ، وهي التي علمنا بها أن العمل من أركان الإيمان الصحيح أو شرط له لتوقفه على الإذعان في الظاهر والباطن لحكم الله ورسوله ، بحيث لا يكون في نفس المؤمن حرج منه ويسلم له تسليما ، ويدخل في ذلك امتثال أمر الله ورسوله ولو في تعريض النفس للقتل والخروج من الديار والأوطان .
ذهب بعض المفسرين إلى أن الصديقين والشهداء والصالحين أوصاف متداخلة لموصوف واحد ، فالمؤمنون الكاملون فريقان : الأنبياء والمتصفون بالصفات الثلاث ، وهذا وجه ضعيف ، والصواب المغايرة بينهم كما هو ظاهر العطف على ما في صفاتهم من العموم والخصوص ، وقد اختلفوا في تعريفهم ، وهاك ما لا كلفة فيه ولا جناية على اللغة .
( الصديقون ) جمع صديق ، وهو من غلب عليه الصدق وعرف به كالسكير لمن غلب عليه السكر ، قال الراغب : الصديق من كثر منه الصدق ، وقيل : بل يقال لمن لا يكذب قط ، وقيل : لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق ، وقيل : بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بقوله .
قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ( 19 : 41 ) ، وقال : أي في المسيح : وأمه صديقة ( 5 : 75 ) ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فالصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة على ما بينت ذلك في الذريعة إلى مكارم الشريعة .
الأستاذ الإمام : الصديقون : هم الذين زكت فطرتهم ، واعتدلت أمزجتهم ، وصفت سرائرهم ، حتى إنهم يميزون بين الحق والباطل والخير والشر بمجرد عروضه لهم ، فهم يصدقون بالحق على أكمل وجه ، ويبالغون في صدق اللسان والعمل ، كما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أنه بمجرد ما بلغته دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عرف أنها الحق وقبلها وصدق بها فصدق النبي في قوله وعمله أكمل الصدق ، ويليه في ذلك جميع السابقين الأولين ، فإنهم انقادوا إلى الإسلام بسهولة قبل أن تظهر الآيات وثمرات الإيمان تمام الظهور
nindex.php?page=showalam&ids=7كعثمان بن عفان ،
nindex.php?page=showalam&ids=5559وعثمان بن مظعون ـ وعد آخرين من السابقين ـ ودرجة هؤلاء قريبة من مرتبة النبوة ، بل الأنبياء صديقون وزيادة .
[ ص: 199 ] وأقول : ما نقلناه عن
الراغب والأستاذ من كون الصديقية هي المرتبة التي تلي مرتبة النبوة في الكمال البشري قد صرح به كثير من العلماء ،
وللغزالي كلام كثير فيه ، ولا غرو
nindex.php?page=treesubj&link=19476فالصدق في القول والعمل أس الفضائل ، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=18981_19229الكذب والنفاق أس الرذائل ، واختار الأستاذ الإمام أخذ الصديق من التصديق وهو المبالغة في تصديق الأنبياء وكمال الإيمان بهم ، ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=31137_31138_31144_31145كان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ صديقا ، وقد وردت الأحاديث الصحاح ، والتي دون الصحاح في تصديقه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين كذبه الناس ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن
الديلمي أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
" ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له نظرة غير أبي بكر فإنه لم يتلعثم " وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
أبي نعيم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
ما كلمت في الإسلام أحدا إلا أبى علي ، وراجعني الكلام إلا nindex.php?page=showalam&ids=1ابن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله وسارع إليه ، وسندهما ضعيف ، وقد عد بعض المستشرقين على
أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ المسارعة إلى تصديق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعدم التلبث به ، وحسب أن ذلك من السذاجة وضعف الروية ، وينقض حسبانه كل ما عرف من سيرة
أبي بكر في الجاهلية والإسلام ، فإنه كان من أجود الناس رأيا ، وأنفذهم بصيرة ، وأصحهم حكما ، وأقلهم خطأ ، وإنما يعرف قيمة الصدق الصادقون ، وقدر الشجاعة الشجعان ، وحقائق الحكمة الحكماء ، فلما كانت مرتبة
أبي بكر قريبة من مرتبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصدق وتحري الحق وإيثاره على الباطل ، وإن ركب في سبيله الصعاب وتقحم في الأخطار كان السابق إلى تصديقه ، وبذل ماله ونفسه في نصره ، وقد سمى الله الدين صدقا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( 39 : 33 ) نعم إن الصادق يكون أسرع إلى تصديق غيره عادة ، فإن كان بليدا أو ساذجا غرا صدق غيره في كل شيء ، وإن كان ذكيا مجربا ـ
كأبي بكر ـ لم يصدق إلا ما هو معقول ، ومن كان كبير العقل قوي الحدس يدرك لأول وهلة ما لا يصل إليه غيره إلا بعد السنين الطوال ،
nindex.php?page=treesubj&link=31177_31194وكان أبو بكر من أعلم العرب بتاريخ العرب وأنسابها وأخلاقها ، وظهر أثر ذلك في سياسته أيام خلافته ولا سيما في المرتدين ومانعي الزكاة ، فلولاه لانتكث فتل الإسلام وغلبته عصبية الجاهلية ، أفهكذا تكون السذاجة وضعف الرأي والروية ! أم ذلك ما أملاه على ذلك المستشرق كره المخالف ، ووسوس به شيطان العصبية ؟ ؟
( الشهداء ) جمع شهيد ، وبين
الرازي أنه لا يجوز أن يراد بالشهيد هنا من قتله الكفار في الحرب ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=25561الشهادة مرتبة عالية عظيمة في الدين " وكون الإنسان مقتول الكافر ليس فيه زيادة شرف ؛ لأن هذا القتل قد يحصل في الفساق ، ومن لا منزلة له عند الله تعالى " ولأن المؤمنين يدعون الله تعالى أن يرزقهم الشهادة ولا يجوز أن يطلبوا منه أن يسلط عليهم الكفار
[ ص: 200 ] يقتلونهم ؛ ولأنه ورد إطلاق لفظ الشهيد على المبطون والمطعون والغريق ، قال : " فعلمنا أن الشهادة ليست عبارة عن القتل ، بل نقول : الشهيد فعيل بمعنى الفاعل ، وهو الذي يشهد بصحة دين الله تعالى تارة بالحجة والبيان ، وأخرى بالسيف والسنان ، فالشهداء هم القائمون بالقسط وهم الذين ذكرهم الله في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ( 3 : 18 ) ، ويقال للمقتول في سبيل الله شهيد من حيث إنه بذل نفسه في نصرة دين الله ، وشهادته له بأنه هو الحق وما سواه هو الباطل ، وإذا كان من شهداء الله بهذا المعنى كان من شهداء الله في الآخرة كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ( 2 : 143 ) .
وقال الأستاذ الإمام : الشهداء هم الذين أمرنا الله تعالى أن نكون منهم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لتكونوا شهداء على الناس ، وهم أهل العدل والإنصاف الذين يؤيدون الحق بالشهادة لأهله بأنهم محقون ، ويشهدون على أهل الباطل أنهم مبطلون ، ودرجتهم تلي درجة الصديقين ، والصديقون شهداء وزيادة .
وأقول : إن الشهادة التي تقوم بها حجة أهل الحق على أهل الباطل تكون بالقول والعمل ، والأخلاق ، والأحوال ، فالشهداء هم حجة الله تعالى على المبطلين في الدنيا والآخرة بحسن سيرتهم ، وتقدم القول في ذلك في تفسير :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لتكونوا شهداء على الناس ( 2 : 143 ) ، من الجزء الثاني ، وتفسير ( 2 : 140 ) ، من الجزء الأول ، ويروى عن سيدنا
علي أنه قال : إن الأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة ، ويتوهم أسرى الاصطلاحات ، ورهائن القيود المستحدثات ، أن حجج الله تعالى في الأرض هم علماء الرسوم حملة الشهادات ، الذين حذقوا النقاش في العبارات ، والجدل في مصارعة الشبهات ، وجمع النقول في تلفيق المصنفات ، كلا ؛ إن حجج الله تعالى من الناس هم أعلام الحق والفضيلة ، ومثل العدل والخير ، فمنهم العالم المستقل بالدليل وإن سخط المقلدون ، والحاكم المقيم للعدل ، وإن كثر حوله الجائرون ، والمصلح لما فسد من الأخلاق والآداب وإن غلب المفسدون ، والباذل لروحه حتى يقتل في سبيل الحق وإن أحجم الجبناء والمراءون .
( الصالحون ) هم الذين صلحت نفوسهم وأعمالهم ولم يبلغوا أن يكونوا حججا ظاهرين كالذين قبلهم ; لأنه ليس لهم من العلم والعمل المتعدي نفعه إلى غيرهم ما يحتج به على المبطلين ، والجائرين عن الصراط المستقيم ، وقال الأستاذ الإمام : هم الذين صلحت أعمالهم في الغالب ، ويكفي أن تغلب حسناتهم على سيئاتهم وألا يصروا على الذنب وهم يعلمون .
هؤلاء الأصناف الأربعة هم صفوة الله من عباده ، وقد كانوا موجودين في كل أمة ،
[ ص: 201 ] ومن أطاع الله والرسول من هذه الأمة كان منهم ، وحشر يوم القيامة معهم ; لأنه وقد ختم الله النبوة والرسالة لا بد أن يرتقي في الاتباع إلى درجة أحد الأصناف الثلاثة :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا أي : إن مرافقة أولئك الأصناف هي في الدرجة التي يرغب العاقل فيها لحسنها ، وفي الكشاف : إن في هذه الجملة معنى التعجب ، كأنه قيل : ما أحسن أولئك رفيقا ، والرفيق كالصديق والخليط الصاحب ، والأصحاب يرتفق بعضهم ببعض ، واستعملت العرب الرفيق والرسول البريد مفردا استعمال الجمع أو الجنس ، ولهذا حسن الإفراد هنا ، وقيل : تقدير الكلام ، وحسن كل فريق من أولئك رفيقا .
وهل يرافق كل فريق فريقه ، إذ كان مشاكله وضريبه ، أم يتصل كل منهم بمن فوقه ، ولو بعض الاتصال ، الذي يكون في حال دون حال ؟ الظاهر الثاني وهو ما يشير إليه التعبير بالفضل في الآية التالية .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن مردويه بسند قال
السيوطي : لا بأس به عن
عائشة قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919170جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي ، وإنك لأحب إلي من ولدي ، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك ، وإني ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين ، وأني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك ، فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
مسروق ، أن سبب نزولها قول الصحابة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919171يا رسول الله ، ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنك لو قدمت لرفعت فوقنا ولم نرك ، وأخرج عن
عكرمة قال :
أتى فتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، إن لنا منك نظرة في الدنيا ويوم القيامة لا نراك فإنك في الجنة في الدرجات العلى ، فأنزل الله هذه الآية فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنت معي في الجنة إن شاء الله - تعالى - اهـ ، وهذه الروايات ضعيفة السند ، فإن كان لها أصل فالمراد أن الآية نزلت في سياقها المتصلة به بعد شيء من هذه الأسئلة .
وأما معنى هذه الروايات فيؤيده حديث
أبي قرصانة مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919173من أحب قوما حشره الله معهم رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والضياء ، وعلم عليه في الجامع الصغير بالصحة ، وفي معناه حديث
أنس عند
أحمد والشيخين وغيرهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919174المرء مع من أحب وقد يغر كثير من المنافقين والفاسقين أنفسهم بدعوى محبة الله ورسوله ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=30491_18278آية المحبة الطاعة ، والآية قد جعلت هذه المعية جزاء الطاعة ، وفي آية أخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( 3 : 31 ) ، فراجع تفسيرها في الجزء الثالث .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69nindex.php?page=treesubj&link=28975وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=70ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا .
الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي سَارَ عَلَيْهِ عِبَادُ اللَّهِ الْمُصْطَفَوْنَ الْأَخْيَارُ ، الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ ، وَعَمَلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَهُمُ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ إِلَخْ ، وَكَانَ الظَّاهِرُ بَادِيَ الرَّأْيِ أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، صِرَاطَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، أَوْ فَكَانُوا مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ، أَوْ مَا هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَكِنْ أُعِيدَ ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=30491_18278طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الْمُرَادُ فِي السِّيَاقِ ، الَّذِي تَكُونُ سَعَادَةُ صُحْبَةِ مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ جَزَاءً لَهُ ، أَيْ : إِنَّ كُلَّ مَنْ يُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إِلَى قَوْلِهِ :
[ ص: 198 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=68وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الطَّاعَةَ تَصْدُقُ بِامْتِثَالِ أَمْرٍ وَاحِدٍ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمَا يُبْنَى عَلَيْهِ مِنَ الْجَوَابِ هُوَ مِمَّا اعْتَادُوهُ مِنَ اخْتِرَاعِ الْإِيرَادَاتِ وَالْأَجْوِبَةِ عَنْهَا ، وَإِنْ كَانَ السِّيَاقُ يَأْبَاهَا ، فَهَذِهِ الطَّاعَةُ هِيَ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا إِيثَارُ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى حُكْمِ الطَّاغُوتِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ، وَهِيَ الَّتِي عَلِمْنَا بِهَا أَنَّ الْعَمَلَ مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ أَوْ شَرْطٌ لَهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِذْعَانِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُؤْمِنِ حَرَجٌ مِنْهُ وَيُسَلِّمُ لَهُ تَسْلِيمًا ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ امْتِثَالُ أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَوْ فِي تَعْرِيضِ النَّفْسِ لِلْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الدِّيَارِ وَالْأَوْطَانِ .
ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَوْصَافٌ مُتَدَاخِلَةٌ لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ ، فَالْمُؤْمِنُونَ الْكَامِلُونَ فَرِيقَانِ : الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُتَّصِفُونَ بِالصِّفَاتِ الثَّلَاثِ ، وَهَذَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ ، وَالصَّوَابُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعَطْفِ عَلَى مَا فِي صِفَاتِهِمْ مِنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِهِمْ ، وَهَاكَ مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَلَا جِنَايَةَ عَلَى اللُّغَةِ .
( الصِّدِّيقُونَ ) جَمْعُ صِدِّيقٍ ، وَهُوَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصِّدْقُ وَعُرِفَ بِهِ كَالسِّكِّيرِ لِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السُّكْرُ ، قَالَ الرَّاغِبُ : الصِّدِّيقُ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الصِّدْقُ ، وَقِيلَ : بَلْ يُقَالُ لِمَنْ لَا يَكْذِبُ قَطُّ ، وَقِيلَ : لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْكَذِبُ لِتَعَوُّدِهِ الصِّدْقَ ، وَقِيلَ : بَلْ لِمَنْ صَدَقَ بِقَوْلِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَحَقَّقَ صِدْقَهُ بِقَوْلِهِ .
قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=41وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ( 19 : 41 ) ، وَقَالَ : أَيْ فِي الْمَسِيحِ : وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ( 5 : 75 ) ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَالصِّدِّيقُونَ هُمْ قَوْمٌ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْفَضِيلَةِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الذَّرِيعَةِ إِلَى مَكَارِمِ الشَّرِيعَةِ .
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الصِّدِّيقُونَ : هُمُ الَّذِينَ زَكَتْ فِطْرَتُهُمْ ، وَاعْتَدَلَتْ أَمْزِجَتُهُمْ ، وَصَفَتْ سَرَائِرُهُمْ ، حَتَّى إِنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ لَهُمْ ، فَهُمْ يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ ، وَيُبَالِغُونَ فِي صِدْقِ اللِّسَانِ وَالْعَمَلِ ، كَمَا نُقِلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَا بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَرَفَ أَنَّهَا الْحَقُّ وَقَبِلَهَا وَصَدَّقَ بِهَا فَصَدَّقَ النَّبِيَّ فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ أَكْمَلَ الصِّدْقَ ، وَيَلِيهِ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ ، فَإِنَّهُمُ انْقَادُوا إِلَى الْإِسْلَامِ بِسُهُولَةٍ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ الْآيَاتُ وَثَمَرَاتُ الْإِيمَانِ تَمَامَ الظُّهُورِ
nindex.php?page=showalam&ids=7كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=5559وَعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ـ وَعَدَّ آخَرِينَ مِنَ السَّابِقِينَ ـ وَدَرَجَةُ هَؤُلَاءِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ ، بَلِ الْأَنْبِيَاءُ صِدِّيقُونَ وَزِيَادَةٌ .
[ ص: 199 ] وَأَقُولُ : مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ
الرَّاغِبِ وَالْأُسْتَاذِ مِنْ كَوْنِ الصِّدِّيقِيَّةِ هِيَ الْمَرْتَبَةَ الَّتِي تَلِي مَرْتَبَةَ النُّبُوَّةِ فِي الْكَمَالِ الْبَشَرِيِّ قَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ،
وَلِلْغَزَالِيِّ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِيهِ ، وَلَا غَرْوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19476فَالصِّدْقُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ أُسُّ الْفَضَائِلِ ، كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18981_19229الْكَذِبَ وَالنِّفَاقَ أُسُّ الرَّذَائِلِ ، وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَخْذَ الصِّدِّيقِ مِنَ التَّصْدِيقِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَصْدِيقِ الْأَنْبِيَاءِ وَكَمَالِ الْإِيمَانِ بِهِمْ ، وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=31137_31138_31144_31145كَانَ أَبُو بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ صِدِّيقًا ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ ، وَالَّتِي دُونَ الصِّحَاحِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ ، وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ
الدَّيْلَمِيِّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ :
" مَا عَرَضْتُ الْإِسْلَامَ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ نَظِرَةٌ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَمْ " وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ
أَبِي نُعَيْمٍ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ :
مَا كَلَّمْتُ فِي الْإِسْلَامِ أَحَدًا إِلَّا أَبَى عَلَيَّ ، وَرَاجَعَنِي الْكَلَامَ إِلَّا nindex.php?page=showalam&ids=1ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَإِنِّي لَمْ أُكَلِّمْهُ فِي شَيْءٍ إِلَّا قَبِلَهُ وَسَارَعَ إِلَيْهِ ، وَسَنَدُهُمَا ضَعِيفٌ ، وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ الْمُسْتَشْرِقِينَ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ الْمُسَارَعَةَ إِلَى تَصْدِيقِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَعَدَمَ التَّلَبُّثِ بِهِ ، وَحَسِبَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ السَّذَاجَةِ وَضَعْفِ الرَّوِيَّةِ ، وَيَنْقُضُ حُسْبَانَهُ كُلُّ مَا عُرِفَ مِنْ سِيرَةِ
أَبِي بَكْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَجْوَدِ النَّاسِ رَأْيًا ، وَأَنْفَذِهِمْ بَصِيرَةً ، وَأَصَحِّهِمْ حُكْمًا ، وَأَقَلِّهِمْ خَطَأً ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ قِيمَةَ الصِّدْقِ الصَّادِقُونَ ، وَقَدْرَ الشُّجَاعَةِ الشُّجْعَانُ ، وَحَقَائِقَ الْحِكْمَةِ الْحُكَمَاءُ ، فَلَمَّا كَانَتْ مَرْتَبَةُ
أَبِي بَكْرٍ قَرِيبَةً مِنْ مَرْتَبَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي الصِّدْقِ وَتَحَرِّي الْحَقِّ وَإِيثَارِهِ عَلَى الْبَاطِلِ ، وَإِنْ رَكِبَ فِي سَبِيلِهِ الصِّعَابَ وَتَقَحَّمَ فِي الْأَخْطَارِ كَانَ السَّابِقَ إِلَى تَصْدِيقِهِ ، وَبَذْلِ مَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي نَصْرِهِ ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الدِّينَ صِدْقًا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( 39 : 33 ) نَعَمْ إِنَّ الصَّادِقَ يَكُونُ أَسْرَعَ إِلَى تَصْدِيقِ غَيْرِهِ عَادَةً ، فَإِنْ كَانَ بَلِيدًا أَوْ سَاذَجًا غِرًّا صَدَّقَ غَيْرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِنْ كَانَ ذَكِيًّا مُجَرِّبًا ـ
كَأَبِي بَكْرٍ ـ لَمْ يُصَدِّقْ إِلَّا مَا هُوَ مَعْقُولٌ ، وَمَنْ كَانَ كَبِيرَ الْعَقْلِ قَوِيَّ الْحَدْسِ يُدْرِكُ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ إِلَّا بَعْدَ السِّنِينَ الطِّوَالِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31177_31194وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَعْلَمِ الْعَرَبِ بِتَارِيخِ الْعَرَبِ وَأَنْسَابِهَا وَأَخْلَاقِهَا ، وَظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي سِيَاسَتِهِ أَيَّامَ خِلَافَتِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْمُرْتَدِّينَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ ، فَلَوْلَاهُ لَانْتَكَثَ فَتْلُ الْإِسْلَامِ وَغَلَبَتْهُ عَصَبِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ ، أَفَهَكَذَا تَكُونُ السَّذَاجَةُ وَضَعْفُ الرَّأْيِ وَالرَّوِيَّةِ ! أَمْ ذَلِكَ مَا أَمْلَاهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْتَشْرِقِ كُرْهُ الْمُخَالِفِ ، وَوَسْوَسَ بِهِ شَيْطَانُ الْعَصَبِيَّةِ ؟ ؟
( الشُّهَدَاءُ ) جَمْعُ شَهِيدٍ ، وَبَيَّنَ
الرَّازِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّهِيدِ هُنَا مَنْ قَتَلَهُ الْكَفَّارُ فِي الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25561الشَّهَادَةَ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الدِّينِ " وَكَوْنُ الْإِنْسَانِ مَقْتُولَ الْكَافِرِ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ شَرَفٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ قَدْ يَحْصُلُ فِي الْفُسَّاقِ ، وَمَنْ لَا مَنْزِلَةَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى " وَلِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَهُمُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارَ
[ ص: 200 ] يَقْتُلُونَهُمْ ؛ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّهِيدِ عَلَى الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ ، قَالَ : " فَعَلِمْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنِ الْقَتْلِ ، بَلْ نَقُولُ : الشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ ، وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِصِحَّةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى تَارَةً بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ ، وَأُخْرَى بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ ، فَالشُّهَدَاءُ هُمُ الْقَائِمُونَ بِالْقِسْطِ وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ( 3 : 18 ) ، وَيُقَالُ لِلْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِيدٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ ، وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْبَاطِلُ ، وَإِذَا كَانَ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ( 2 : 143 ) .
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : الشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ الَّذِينَ يُؤَيِّدُونَ الْحَقَّ بِالشَّهَادَةِ لِأَهْلِهِ بِأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ ، وَيَشْهَدُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ ، وَدَرَجَتُهُمْ تَلِي دَرَجَةَ الصِّدِّيقِينَ ، وَالصِّدِّيقُونَ شُهَدَاءُ وَزِيَادَةٌ .
وَأَقُولُ : إِنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا حُجَّةُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَالْأَخْلَاقِ ، وَالْأَحْوَالِ ، فَالشُّهَدَاءُ هُمْ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُبْطِلِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحُسْنِ سِيرَتِهِمْ ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ( 2 : 143 ) ، مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي ، وَتَفْسِيرِ ( 2 : 140 ) ، مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ ، وَيُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا
عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِالْحُجَّةِ ، وَيَتَوَهَّمُ أَسْرَى الِاصْطِلَاحَاتِ ، وَرَهَائِنُ الْقُيُودِ الْمُسْتَحْدَثَاتِ ، أَنَّ حُجَجَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ هُمْ عُلَمَاءُ الرُّسُومِ حَمَلَةُ الشَّهَادَاتِ ، الَّذِينَ حَذَقُوا النِّقَاشَ فِي الْعِبَارَاتِ ، وَالْجَدَلَ فِي مُصَارَعَةِ الشُّبُهَاتِ ، وَجَمْعَ النُّقُولِ فِي تَلْفِيقِ الْمُصَنَّفَاتِ ، كَلَّا ؛ إِنَّ حُجَجَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ النَّاسِ هُمْ أَعْلَامُ الْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ ، وَمُثُلُ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ ، فَمِنْهُمُ الْعَالِمُ الْمُسْتَقِلُّ بِالدَّلِيلِ وَإِنْ سَخِطَ الْمُقَلِّدُونَ ، وَالْحَاكِمُ الْمُقِيمُ لِلْعَدْلِ ، وَإِنْ كَثُرَ حَوْلَهُ الْجَائِرُونَ ، وَالْمُصْلِحُ لِمَا فَسَدَ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَإِنْ غَلَبَ الْمُفْسِدُونَ ، وَالْبَاذِلُ لِرُوحِهِ حَتَّى يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَإِنْ أَحْجَمَ الْجُبَنَاءُ وَالْمُرَاءُونَ .
( الصَّالِحُونَ ) هُمُ الَّذِينَ صَلُحَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَلَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَكُونُوا حُجَجًا ظَاهِرِينَ كَالَّذِينِ قَبْلَهُمْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِمْ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْمُبْطِلِينَ ، وَالْجَائِرِينَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : هُمُ الَّذِينَ صَلَحَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْغَالِبِ ، وَيَكْفِي أَنْ تَغْلِبَ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ وَأَلَّا يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ هُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ ، وَقَدْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ،
[ ص: 201 ] وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَالرَّسُولَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ مِنْهُمْ ، وَحُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَهُمْ ; لِأَنَّهُ وَقَدْ خَتَمَ اللَّهُ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْتَقِيَ فِي الِاتِّبَاعِ إِلَى دَرَجَةِ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا أَيْ : إِنَّ مُرَافَقَةَ أُولَئِكَ الْأَصْنَافِ هِيَ فِي الدَّرَجَةِ الَّتِي يَرْغَبُ الْعَاقِلُ فِيهَا لِحُسْنِهَا ، وَفِي الْكَشَّافِ : إِنَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : مَا أَحْسَنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ، وَالرَّفِيقُ كَالصَّدِيقِ وَالْخَلِيطِ الصَّاحِبِ ، وَالْأَصْحَابُ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، وَاسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ الرَّفِيقَ وَالرَّسُولَ الْبَرِيدَ مُفْرَدًا اسْتِعْمَالَ الْجَمْعِ أَوِ الْجِنْسِ ، وَلِهَذَا حَسُنَ الْإِفْرَادُ هُنَا ، وَقِيلَ : تَقْدِيرُ الْكَلَامِ ، وَحَسُنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ أُولَئِكَ رَفِيقًا .
وَهَلْ يُرَافِقُ كُلُّ فَرِيقٍ فَرِيقَهُ ، إِذْ كَانَ مُشَاكِلَهُ وَضَرِيبَهُ ، أَمْ يَتَّصِلُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْ فَوْقَهُ ، وَلَوْ بَعْضَ الِاتِّصَالِ ، الَّذِي يَكُونُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِالْفَضْلِ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ قَالَ
السُّيُوطِيُّ : لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919170جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ، وَإِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي ، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَ فَأَنْظُرَ إِلَيْكَ ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ ، وَأَنِّي إِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَلَّا أَرَاكَ ، فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ ، أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919171يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فَإِنَّكَ لَوْ قَدِمْتَ لَرُفِعْتَ فَوْقَنَا وَلَمْ نَرَكَ ، وَأَخْرَجَ عَنْ
عِكْرِمَةَ قَالَ :
أَتَى فَتًى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّ لَنَا مِنْكَ نَظْرَةً فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا نَرَاكَ فَإِنَّكَ فِي الْجَنَّةِ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنْتَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - اهـ ، وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ ضَعِيفَةُ السَّنَدِ ، فَإِنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سِيَاقِهَا الْمُتَّصِلَةَ بِهِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ .
وَأَمَّا مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ
أَبِي قُرْصَانَةَ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919173مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُمْ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالصِّحَّةِ ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ
أَنَسٍ عِنْدَ
أَحْمَدَ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919174الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَقَدْ يَغُرُّ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ أَنْفُسَهُمْ بِدَعْوَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30491_18278آيَةُ الْمَحَبَّةِ الطَّاعَةُ ، وَالْآيَةُ قَدْ جَعَلَتْ هَذِهِ الْمَعِيَّةَ جَزَاءَ الطَّاعَةِ ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ( 3 : 31 ) ، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ .