الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مؤمنة بقدر الله ولكني أخاف من الموت، فما علاج ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزى الله القائمين على هذا الموقع خير الجزاء وأحسن إليهم، فقد وجدته بمحض الصدفة -بفضل الله-، وكان بمثابة قارب النجاة -بإذن الله-.

أنا امرأة متزوجة منذ 9 سنوات -والحمد لله- زواجي ناجح، وزوجي رجل ملتزم وخلوق، ولدي ثلاثة أطفال، ومنذ 8 أشهر، وأنا في كرب عظيم لا يعلم مداه إلا الله -جل في علاه-.

أعاني من حالة خوف شديد من الموت، وأشعر به وكأنه يترصدني في كل لحظة، وقد جاءتني هذه الحالة فجأة دون مقدمات، وأصبحت دائمة التفكير في الموت، وفي كل عمل أقوم به، أقرنه بقرب وفاتي، على سبيل المثال: إذا بكى أحد أطفالي، أفسر ذلك على أنه يبكي من أجل قرب موتي، أو إذا اشتريت شيئًا جديدًا، لا أفرح به لأنني مقتنعة بأنني لن أتمكن من استخدامه، وحتى وأنا أكتب إليكم اليوم، أكتب وأنا خائفة من أنني سأموت قبل أن أتلقي ردكم على استشارتي.

أعيش في كرب وهلع، ولم أعد أشعر بالسعادة أبدًا، زوجي لاحظ ذلك، وقد حاولت شرح حالتي له، لكنه لا يتفهم ويعلل دائمًا بأن ما أشعر به مجرد وساوس من النفس، حتى أصبحت أعاني من ألم في الصدر، وضيق يلازمني طوال الوقت، بالإضافة إلى عدم الاتزان والدوار، كما أواجه أيضًا نوبات بكاء شديد دون سبب.

ذهبت إلى طبيب نفسي بعد جهد مرير مع زوجي، فهو لم يكن مقتنعًا بالذهاب إلى العيادة النفسية، واشترط عليّ الذهاب بسرية تامة دون أن أخبر أحدًا، فوافقت.

قام الطبيب بتشخيص حالتي على أنها قلق، وقرر أن يصف لي دواءً اسمه (زولفت)، بنصف حبة لمدة 5 أيام، ثم حبة واحدة لمدة أسبوعين، والآن حبة ونصفًا لمدة شهر، ثم سأبدأ بتقليص الجرعة تدريجيًا حتى تنتهي مدة العلاج التي ستكون 4 شهور.

شعرت بتحسن على هذا الدواء، ولكن التحسن ليس كبيرًا، إذ ما زالت الأفكار تراودني ولا تغيب عني، كما أنني لا أستطيع النوم بالليل أبدًا، بل أنام في النهار، وهذا النظام مرهق لي.

ومن فترة قريبة بدأت أحلم بأحلام مزعجة، فمثلاً حلمت بجدتي المتوفاة، مما أشعرني بالقلق والخوف، فسرت حلمي على أنني سأموت مثلها، لذلك رأيتها في الحلم، كما أنني كلما سمعت عن حادثة وفاة، أعتقد أنني سأموت بنفس الطريقة، وأي ألم أشعر به أفسره على أنه بداية للموت.

فمثلاً، سمعت أن الروح عند الموت تخرج من أصابع القدمين، ومنذ أن سمعت هذه المعلومة أصبح لدي ألم دائم في القدمين، وحتى وإن كان الألم ناجمًا عن تعب من أعمال المنزل، فإنني لا أفسره إلا على أنه بداية للموت.

والله أنا ملتزمة ومؤمنة بأن الموت قضاء الله وقدره، وأن خوفي هذا لن يؤخر الموت ولن يقدمه، ولكن هذه الأفكار وهذا الخوف لا أستطيع السيطرة عليهما، أشعر أنهما خارج عن إرادتي، وليس بيدي التغلب عليهما.

المشكلة أنني مغتربة مع زوجي، أي أنني بعيدة عن أهلي، ولا أستطيع زيارة الطبيب دون علم زوجي، وهو يرفض الذهاب إليه مرة أخرى، فما هو تشخيص حالتي؟ هل أحتاج إلى زيارة الطبيب مرة أخرى، أم أستمر على الزولفت بنفس الجرعة؟

آسفة جدًا على الإطالة، وجزاكم الله كل خير، أتمنى أن تردوا عليَّ بسرعة، فأنا في شغف للإجابة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن حالة الخوف هذه التي تنتابك والتي تتمركز حول الخوف من الموت، نشأت من حالة قلق شديدة أصابتك، وهذه الحالة نسميها بحالات الفزع أو الهلع، أو الهرع أو الاضطراب الفزعي، وهو نوع من القلق الشديد يحدث فجأةً، ثم بعد ذلك قد يختفي ويتوارى ولكن يبقى جانب الخوف، خاصة أن الخوف من الموت موجود، وهذا يسبب الكثير من الوسوسة ومن الاجترارات مما يجعل الإنسان يعيش في وضع مزعج وإن لم يكن خطيرًا.

إذاً هذه هي حالتك من الناحية التشخيصية، حالة قلق نفسي حاد، يسمى بالفزع أو الهرع أو الهلع، ونتج عن هذه المخاوف الوسواسية التي تعانين منها الآن، وأنا أؤكد لك أن الكرب والكدر الذي تعانين منه هو علة ثانوية، وليست علة رئيسية -بفضل الله تعالى-، بمعنى آخر: أنت لا تعانين من اكتئاب نفسي حقيقي، ولكنك تعانين من عسر مزاج ثانوي نشأ من حالة القلق الفزعي الذي انتابك.

أرجو أن يكون هذا التفسير مريحًا لك، ونحن نرى أن تشخيص الحالات وعلم صاحب الأمر بطبيعة علته من أهم الوسائل العلاجية، وأود أن أضيف أن ألم الصدر والضيق الذي يلازمك، هو أيضًا من صميم القلق النفسي، ألم الصدر ينتج من التوتر العضلي الذي هو ناشئ من التوتر النفسي.

بالنسبة لموقف زوجك ورفضه لمقابلة الطبيب، أنا أجد له العذر في ذلك، حيث إن هنالك مفاهيم كثيرة خاطئة عن الطب النفسي، فالبعض يخاف الوصمة الاجتماعية، ولكن -الحمد لله تعالى- الآن الكثير من الناس قد تصححت مفاهيمهم وأصبح يُنظر إلى الطب النفسي كأحد التخصصات الأخرى، وهذه الحالات نحن نعتبرها مثلها ومثل الأمراض الأخرى: كالتهابات الصدر، الحساسية، ضغط الدم، السكر، وربما تكون أقل منها أيضًا.

ومن الناحية السلوكية يجب أن تتجاهلي هذه الأعراض، وأرجو أن يكون الشرح السابق مفيدًا لك في هذا السياق. حاولي أن تتذكري أن هذا مجرد قلق، هذه مجرد مخاوف وسواسية، ويجب أن تقولي لنفسك (ما الذي يجعلني أقلق؟ الحمد لله أنا بخير، هذه نوبة فزع وهلع قد انتهت).

وأعتقد أن التأثير الإيحائي لديك قويّ جدًا، فأنت مثلًا قلت: أنك سمعت أن الروح عند الموت تخرج من أصابع القدم، وبعد ذلك أصبحت تلجئين إلى تكوين أفكار وافتراضات خاطئة ووسواسية قائمة على هذا المفهوم، وهذا أيضًا انعكاس للتكوين الغريزي لشخصيتك، يظهر أنك سيدة حساسة وفاضلة ولك ميول نحن القلق والوساوس.

الذي أرجوه هو أن تتذكري الإيجابيات العظيمة لديك، فأنت -الحمد لله- مستقرة أسريًا، أنت -الحمد لله- سيدة ملتزمة، وهذا من أعظم ما يمكن أن يجنيه الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فأسأل الله لك التوفيق والسداد.

بالنسبة للعلاج الدوائي، نعم أنت في حاجة للعلاج الدوائي، والزولفت (ZOLOFT) والذي يسمى علميًا باسم (سيرترالين SERTRALINE) هو من الأدوية الجيدة والمفيدة، فقط الذي أراه هو أن ترفعي الجرعة إلى حبتين في اليوم –أي إلى مائة مليجرام– مع احترامي الشديد لرأي الطبيب، أرى أن أقل جرعة مفيدة بالنسبة لك هي مائة مليجرام، علمًا بأن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، أي مائتي مليجرام في اليوم، ولكنك بالطبع لست في حاجة لذلك.

بالنسبة لمدة العلاج أيضًا أنا أرى أنها قصيرة، فأرى أن تستمري على المائة مليجرام يوميًا لمدة ستة أشهر من الآن، وهذه ليست مدة طويلة، ثم بعد ذلك تبدئي في التدرج في إنقاص الجرعة وذلك بأن تخفضي الدواء بمعدل نصف حبة كل شهر، وحين تصلين إلى النصف الأخير تناوليه أيضًا لمدة شهر، ثم بعد ذلك تناولي هذا النصف مرة واحدة كل يومين لمدة شهر آخر.

إذاً الجرعة الدوائية كما تلاحظين تقسم إلى جرعة بداية، وإلى جرعة علاج، واستمرارية، ثم إلى الجرعة الوقائية التي تنتهي بإيقاف الدواء تقريبًا.

الدواء من الأدوية السليمة، وهو لا يؤثر على الهرمونات النسوية، وهو غير إدماني، وغير تعودي، فقط ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن لدى بعض الناس، وهذه تحدث في الشهور الأولى للعلاج، ويمكن التغلب عليها بممارسة الرياضة والتحكم في النظام الغذائي.

يوجد دواء بديل للزولفت، ويسمى تجاريًا باسم (سبرالكس CIPRALEX)، ويعرف علميًا باسم (استالوبرام ESCITALOPRAM)، هذا دواء ناجع الفعالية في علاج المخاوف من هذا النوع، ولكن بما أنك تتناولين الزولفت فاستمري عليه فهو دواء جيد أيضًا، ولكن في مرحلة ما إذا لم يكن الزولفت مؤثرًا بنسبة 80 - 90%، خاصة بعد أن ترفعي الجرعة إلى مائة مليجرام أعتقد أن الانتقال يجب أن يكون نحو السبرالكس، ويتميز السبرالكس أنه دواء فعال، وجرعته هي أن تبدئي بعشرة مليجرام ليلًا لمدة شهر، ثم ترفع الجرعة إلى عشرين مليجرامًا ليلًا، وهذه يستمر عليها الإنسان في مثل حالتك لمدة تسعة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى عشرة مليجرام أخرى لمدة ستة أشهر، ثم إلى خمسة مليجرام لمدة شهر، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر.

أنا لا أريدك أن تنتقلي إلى السبرالكس، لأني أثق أيضًا أن الزولفت فعال، ولكن وددت فقط أن أذكر لك أنه توجد خيارات، وهذه من نعم الله علينا وعلى الناس أجمعين، فأرجو أن لا تنشغلي، وسأكون سعيدًا إذا عرضت هذه الإجابة على الفاضل زوجك حتى تتحسن قناعاته بأن حالتك هي حالة بسيطة، ولكن فعلًا تتطلب التدخل النفسي.

وختامًا: نشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً