أما
nindex.php?page=treesubj&link=29615إثبات الصانع فطرقه لا تحصى ، بل الذي عليه جمهور العلماء
[1] أن
nindex.php?page=treesubj&link=29619الإقرار بالصانع فطري ضروري مغروز
[2] في الجبلة ،
[3] ، [ ولهذا كانت دعوة عامة الرسل إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وكان عامة الأمة مقرين بالصانع مع إشراكهم به بعبادة ما دونه ، والذين أظهروا إنكار الصانع
كفرعون خاطبتهم الرسل خطاب من يعرف أنه حق ، كقول
موسى لفرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) [ سورة الإسراء : 102 ] ، ولما قال
فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23وما رب العالمين ) [ سورة الشعراء : 23 ] ، قال له
موسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ) [ سورة الشعراء : 24 - 28 ] .
[ ص: 271 ] ولما قال
فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فمن ربكما ياموسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) [ سورة طه : 49 - 50 ] ، فكان جواب
موسى له جوابا للمتجاهل الذي يظهر أنه لا يعرف الحق وهو معروف عنده ، فإن سؤال
فرعون بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23وما رب العالمين ) استفهام إنكار لوجوده ، ليس هو استفهام طلب لتعريف ماهيته كما ظن ذلك بعض المتأخرين ، وقالوا : إن
فرعون طالبه ببيان الماهية ، فعدل عن ذلك لامتناع الجواب بذكرها ، فإن هذا غلط منهم ، فإن
فرعون لم يكن مقرا بالصانع ألبتة ، بل كان جاحدا له ، وكان استفهامه استفهام إنكار لوجوده ، ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري ) [ سورة القصص : 38 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى ) [ سورة النازعات : 24 ] ، ولو كان مقرا بوجوده طالبا لمعرفة ماهيته لم يقل هذا ، ولكان
موسى ما أجابه إجابة لم تذكر فيها ماهيته
[4] .
مع أن القول بأن الماهية هي ما يقوله المنطقيون من ذكر الذاتي المشترك والذاتي المميز ، وهما الجنس والفصل ، كلام باطل قد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع ، وبين أن الماهية المغايرة للوجود الخارجي إنما هي ما يتصور في الذهن ، فإن ما في الأذهان من الصور الذهنية ليس هو نفس الموجودات الخارجية .
وأما دعوى أهل المنطق اليوناني أن في الخارج ماهية ووجودا غير
[ ص: 272 ] الماهية ، وأن الصفات اللازمة تنقسم إلى لازمة مقومة داخلة في الماهية ، ومفارقة عرضية لها غير مقومة ، وإلى لازمة لوجودها الخارجي دون ماهيتها الخارجية ، فكلام باطل من وجوه متعددة ، كما قد بسط هذا في موضعه ، وبين أن الصفات تنقسم إلى لازمة للموصوف وعارضة له فقط ، كما عليه نظار المسلمين من جميع الطوائف ، وبين كلام نظار المسلمين في الحد والبرهان ، وأن كلامهم في صريح المعقول أصح من كلام المتفلسفة
اليونان ومن اتبعهم من المنتسبين إلى الملل ]
[5] .
وأيضا فنفس حدوث الإنسان يعلم
[6] به
[7] صانعه ، وكذلك حدوث كل ما يشاهد
[8] حدوثه ، وهذه الطريقة مذكورة في القرآن
[9] .
وأيضا ، فالوجود يستلزم إثبات موجد قديم واجب بنفسه
[10] ، ونحن نعلم أن من الموجودات ما هو حادث ، فقد علم بالضرورة انقسام الموجود
[11] إلى قديم واجب بنفسه وإلى محدث .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29615إِثْبَاتُ الصَّانِعِ فَطَرْقُهُ لَا تُحْصَى ، بَلِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
[1] أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29619الْإِقْرَارَ بِالصَّانِعِ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ مَغْرُوزٌ
[2] فِي الْجِبِلَّةِ ،
[3] ، [ وَلِهَذَا كَانَتْ دَعْوَةُ عَامَّةِ الرُّسُلِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَكَانَ عَامَّةُ الْأُمَّةِ مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ مَعَ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ بِعِبَادَةِ مَا دُونِهُ ، وَالَّذِينَ أَظْهَرُوا إِنْكَارَ الصَّانِعِ
كَفِرْعَوْنَ خَاطَبَتْهُمُ الرُّسُلُ خِطَابَ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ حَقٌّ ، كَقَوْلِ
مُوسَى لِفِرْعَوْنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ : 102 ] ، وَلَمَّا قَالَ
فِرْعَوْنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ : 23 ] ، قَالَ لَهُ
مُوسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=24رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) [ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ : 24 - 28 ] .
[ ص: 271 ] وَلَمَّا قَالَ
فِرْعَوْنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) [ سُورَةُ طه : 49 - 50 ] ، فَكَانَ جَوَابُ
مُوسَى لَهُ جَوَابًا لِلْمُتَجَاهِلِ الَّذِي يُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ ، فَإِنَّ سُؤَالَ
فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=23وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ) اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ لِوُجُودِهِ ، لَيْسَ هُوَ اسْتِفْهَامَ طَلَبٍ لِتَعْرِيفِ مَاهِيَّتِهِ كَمَا ظَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَقَالُوا : إِنَّ
فِرْعَوْنَ طَالَبَهُ بِبَيَانِ الْمَاهِيَّةِ ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الْجَوَابِ بِذِكْرِهَا ، فَإِنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ
فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِالصَّانِعِ أَلْبَتَّةَ ، بَلْ كَانَ جَاحِدًا لَهُ ، وَكَانَ اسْتِفْهَامُهُ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ لِوُجُودِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) [ سُورَةُ الْقَصَصِ : 38 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) [ سُورَةُ النَّازِعَاتِ : 24 ] ، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا بِوُجُودِهِ طَالِبًا لِمَعْرِفَةِ مَاهِيَّتِهِ لَمْ يَقِلْ هَذَا ، وَلَكَانَ
مُوسَى مَا أَجَابَهُ إِجَابَةً لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا مَاهِيَّتُهُ
[4] .
مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ هِيَ مَا يَقُولُهُ الْمَنْطِقِيُّونَ مِنْ ذِكْرِ الذَّاتِيِّ الْمُشْتَرَكِ وَالذَّاتِيِّ الْمُمَيَّزِ ، وَهُمَا الْجِنْسُ وَالْفَصْلُ ، كَلَامٌ بَاطِلٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَبُيِّنَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُغَايِرَةَ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إِنَّمَا هِيَ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الذِّهْنِ ، فَإِنَّ مَا فِي الْأَذْهَانِ مِنَ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ .
وَأَمَّا دَعْوَى أَهْلِ الْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَاهِيَّةً وَوُجُودًا غَيْرَ
[ ص: 272 ] الْمَاهِيَّةِ ، وَأَنَّ الصِّفَاتِ اللَّازِمَةَ تَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمَةٍ مُقَوِّمَةٍ دَاخِلَةٍ فِي الْمَاهِيَةِ ، وَمُفَارِقَةٍ عَرَضِيَّةٍ لَهَا غَيْرِ مُقَوِّمَةٍ ، وَإِلَى لَازِمَةٍ لِوُجُودِهَا الْخَارِجِيِّ دُونَ مَاهِيَّتِهَا الْخَارِجِيَّةِ ، فَكَلَامٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ ، كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ ، وَبُيِّنَ أَنَّ الصِّفَاتِ تَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمَةٍ لِلْمَوْصُوفِ وَعَارِضَةٍ لَهُ فَقَطْ ، كَمَا عَلَيْهِ نُظَّارُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ ، وَبُيِّنَ كَلَامُ نُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَدِّ وَالْبُرْهَانِ ، وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي صَرِيحِ الْمَعْقُولِ أَصَحُّ مِنْ كَلَامِ الْمُتَفَلْسِفَةِ
الْيُونَانِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمِلَلِ ]
[5] .
وَأَيْضًا فَنَفْسُ حُدُوثِ الْإِنْسَانِ يُعْلَمُ
[6] بِهِ
[7] صَانِعُهُ ، وَكَذَلِكَ حُدُوثُ كُلِّ مَا يُشَاهَدُ
[8] حُدُوثُهُ ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ
[9] .
وَأَيْضًا ، فَالْوُجُودُ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ مُوجِدٍ قَدِيمٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ
[10] ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مَا هُوَ حَادِثٌ ، فَقَدْ عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ انْقِسَامُ الْمَوْجُودِ
[11] إِلَى قَدِيمٍ وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ وَإِلَى مُحْدَثٍ .