المسألة الثامنة والثلاثون : في
nindex.php?page=treesubj&link=14297_26919_17915بقاء معنى هذه الآية أو ارتفاعه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس حكمها منسوخ . وقال
الحسن : حكمها ثابت ، فمن قال : إنها منسوخة قال : إن اليمين الآن لا تجب على الشاهد ; لأنه إن ارتيب به لم تجز شهادته ، وإن لم تكن هناك ريبة ولا في حاله خلة لم يحتج إلى اليمين ، وعلى هذا عول جمهور العلماء ونخبتهم . وقد قرر الله تعالى ذلك وحققه بأمره في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم } . و {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ممن ترضون من الشهداء } .
فوقعت الشهادة على العدالة ، واقتضيت اليمين منها إن كانت فيها .
وأما من قال : إنها ثابتة فاختلفوا فيه ; فمنهم من قال : إن شهادة
أهل الذمة جائزة في السفر ; منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد كما تقدم يجوزها في السفر عند عدم المسلمين بغير يمين ، وصار بعض أشياخنا إلى أن ذلك باق باليمين ، وهو خرق للإجماع ، وجهل بالتأويل ، وقصور عن النظر ، وإذا أسقط
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد اليمين فلا حجة له في الآية ولا في الحديث ; لأن اليمين تثبت فيهما جميعا .
والصحيح أن الشهادة اليمين ، وهي هاهنا يمين الوصيين ، كما سميت اليمين في اللعان شهادة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : إنما حكم الله سبحانه باليمين على الشاهدين في هذا الموضع من أجل دعوى ورثة الميت على المسند إليهما الوصية بالخيانة ، أو غير ذلك ، ما لا يبرأ فيه
[ ص: 252 ] المدعي ذلك قبله إلا بيمين ; فإن نقل اليمين إلى ورثة الميت إنما أوجبه الله تعالى بعد أن عثر على الشاهدين في أيمانهما بإثم ، وظهر على كذبهما في ذلك بما ادعوا من مال الميت أنه باعه منهما ، وهذا بناء على أن الخيانة ظهرت في أداء المال ، ولذلك حلفا مع الشهادة .
قال القاضي
ابن العربي : وهذا يصح على إحدى الروايات التي ذكر فيها أنهما ادعيا بيع الجام منهما .
وأما على الرواية الأخرى فلا يستقيم هذا التأويل لأن الشاهدين أديا التركة فيما ذكر فيها ، وانقلبا على ستر وسلامة ، ثم بعد ذلك ظهرت الخيانة في الجام ; إما بأنه وجد يباع ، وإما بتحرج
nindex.php?page=showalam&ids=155تميم الداري وتأثمه وأدائه ما كان أخذه منه .
وتحقيق الكلام فيه أن كل رواية من تلك الروايات عضدتها صيغة القصة في كتاب الله وسردوها فإنها صحيحة ، وكل ما لم يعضده منها فهو مردود .
أما إنه إذا فسرت الكلام في كتاب الله فاحتجت إلى تجويز أو تقديم أو تأخير فكلما كان أقل في ذلك من التأويلات فهو أرجح ، وكلما كان من خلاف الأصول فيه أقل فهو أرجح ، كتأويل فيه إجازة شهادة الكافر وإحلاف الشاهد على شهادته ; فإن التأويل الذي يخرج عنه هذا هو أرجح ، ولا يسلم تأويل من اعتراض ; فإن البيان من الله تعالى في هذه الآية للأحكام جاء على صفة غريبة وهو سياقه على الإشارة إلى القصة ; ولذلك جاء بانتقالات كثيرة ، منها أنه قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=107فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما } .
وربما كان المدعي واحدا ، فليس قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=107فآخران } خارجا مخرج الشرط ، وإنما هو كناية عما جرى من العدد في القصة ، والواحد كالاثنين فيها ; فيطلب الناظر مخرجا أو تأويلا للفظ لا يحتاج إليه ، فيدخل الإشكال على نفسه من حيث لا يشعر به ، فلا يساحل عن هذا البحر أبدا ; وكذلك ما جرى من التعديد لا يمنع من كون
[ ص: 253 ] الشهادة بمعنى اليمين كما في اللعان . وإن كان لم يذكر في اللعان عددا ، وجرى ذكره هاهنا لاتفاقه في القصة ; لا لأنه شرط في الحكم .
وكذلك ذكر العدالة تنبيها على ما يجب ; لأنه إن أشهده وجب أن يكون عدلا لتحمل الشهادة ، فإن ائتمنه وجب أن يكون عدلا لأداء الأمانة .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=14297_26919_17915بَقَاءِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ ارْتِفَاعِهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ حُكْمُهَا مَنْسُوخٌ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : حُكْمُهَا ثَابِتٌ ، فَمَنْ قَالَ : إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَ : إنَّ الْيَمِينَ الْآنَ لَا تَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ ; لِأَنَّهُ إنْ اُرْتِيبَ بِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ رِيبَةٌ وَلَا فِي حَالِهِ خُلَّةٌ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْيَمِينِ ، وَعَلَى هَذَا عَوَّلَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَنُخْبَتُهُمْ . وَقَدْ قَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَحَقَّقَهُ بِأَمْرِهِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } . وَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } .
فَوَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَدَالَةِ ، وَاقْتُضِيَتْ الْيَمِينُ مِنْهَا إنْ كَانَتْ فِيهَا .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا ثَابِتَةٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ; فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ شَهَادَةَ
أَهْلِ الذِّمَّةِ جَائِزَةٌ فِي السَّفَرِ ; مِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ يُجَوِّزُهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ يَمِينٍ ، وَصَارَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ بِالْيَمِينِ ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ ، وَجَهْلٌ بِالتَّأْوِيلِ ، وَقُصُورٌ عَنْ النَّظَرِ ، وَإِذَا أَسْقَطَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ الْيَمِينَ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ تَثْبُتُ فِيهِمَا جَمِيعًا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الْيَمِينُ ، وَهِيَ هَاهُنَا يَمِينُ الْوَصِيَّيْنِ ، كَمَا سُمِّيَتْ الْيَمِينُ فِي اللِّعَانِ شَهَادَةً .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : إنَّمَا حَكَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِمَا الْوَصِيَّةُ بِالْخِيَانَةِ ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ، مَا لَا يَبْرَأُ فِيهِ
[ ص: 252 ] الْمُدَّعِي ذَلِكَ قِبَلَهُ إلَّا بِيَمِينٍ ; فَإِنَّ نَقْلَ الْيَمِينِ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ إنَّمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ عَثَرَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي أَيْمَانِهِمَا بِإِثْمٍ ، وَظَهَرَ عَلَى كَذِبِهِمَا فِي ذَلِكَ بِمَا ادَّعَوْا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُمَا ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَانَةَ ظَهَرَتْ فِي أَدَاءِ الْمَالِ ، وَلِذَلِكَ حَلَفَا مَعَ الشَّهَادَةِ .
قَالَ الْقَاضِي
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا يَصِحُّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهُمَا ادَّعَيَا بَيْعَ الْجَامِ مِنْهُمَا .
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّأْوِيلُ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أَدَّيَا التَّرِكَةَ فِيمَا ذُكِرَ فِيهَا ، وَانْقَلَبَا عَلَى سَتْرٍ وَسَلَامَةٍ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَتْ الْخِيَانَةُ فِي الْجَامِ ; إمَّا بِأَنَّهُ وُجِدَ يُبَاعُ ، وَإِمَّا بِتَحَرُّجِ
nindex.php?page=showalam&ids=155تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَتَأَثُّمِهِ وَأَدَائِهِ مَا كَانَ أَخَذَهُ مِنْهُ .
وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ كُلَّ رِوَايَةٍ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ عَضَّدَتْهَا صِيغَةُ الْقِصَّةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسَرَدُوهَا فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ مِنْهَا فَهُوَ مَرْدُودٌ .
أَمَّا إنَّهُ إذَا فَسَّرْت الْكَلَامَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاحْتَجْت إلَى تَجْوِيزٍ أَوْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فَكُلَّمَا كَانَ أَقَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ فَهُوَ أَرْجَحُ ، وَكُلَّمَا كَانَ مِنْ خِلَافِ الْأُصُولِ فِيهِ أَقَلَّ فَهُوَ أَرْجَحُ ، كَتَأْوِيلٍ فِيهِ إجَازَةُ شَهَادَةِ الْكَافِرِ وَإِحْلَافُ الشَّاهِدِ عَلَى شَهَادَتِهِ ; فَإِنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي يُخَرَّجُ عَنْهُ هَذَا هُوَ أَرْجَحُ ، وَلَا يَسْلَمُ تَأْوِيلٌ مِنْ اعْتِرَاضٍ ; فَإِنَّ الْبَيَانَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْأَحْكَامِ جَاءَ عَلَى صِفَةٍ غَرِيبَةٍ وَهُوَ سِيَاقُهُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْقِصَّةِ ; وَلِذَلِكَ جَاءَ بِانْتِقَالَاتٍ كَثِيرَةٍ ، مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=107فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } .
وَرُبَّمَا كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا ، فَلَيْسَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=107فَآخَرَانِ } خَارِجًا مَخْرَجَ الشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا جَرَى مِنْ الْعَدَدِ فِي الْقِصَّةِ ، وَالْوَاحِدُ كَالِاثْنَيْنِ فِيهَا ; فَيَطْلُبُ النَّاظِرُ مَخْرَجًا أَوْ تَأْوِيلًا لِلَّفْظِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ، فَيُدْخِلُ الْإِشْكَالَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ ، فَلَا يُسَاحَلُ عَنْ هَذَا الْبَحْرِ أَبَدًا ; وَكَذَلِكَ مَا جَرَى مِنْ التَّعْدِيدِ لَا يُمْنَعُ مِنْ كَوْنِ
[ ص: 253 ] الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا فِي اللِّعَانِ . وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكَرْ فِي اللِّعَانِ عَدَدًا ، وَجَرَى ذِكْرُهُ هَاهُنَا لِاتِّفَاقِهِ فِي الْقِصَّةِ ; لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ .
وَكَذَلِكَ ذِكْرُ الْعَدَالَةِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا يَجِبُ ; لِأَنَّهُ إنْ أَشْهَدَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ، فَإِنْ ائْتَمَنَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا لِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ .