الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أكره صهري وأتجنبه بناء على شعوري بأنه يحسدني، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا رجل في الخمسين من عمري، ومشكلتي تتلخّص في أنني أصبحت أكره شخصًا ما؛ مما أدى إلى حدوث مشكلات بيني وبين زوجتي، التي تربطها قرابة بهذا الشخص.

بدأت القصة عندما وقعت مشاجرة كبيرة بيني وبين ابنتي الكبرى، وذلك أمام زوجتي وأخواتها، مما أدى إلى انهيارها، ومنذ ذلك الحين لم تتحدث إليّ إطلاقًا، في ذلك الوقت قررت أن أذهب إلى والد زوجتي؛ ليتوسّط بيني وبينها، حتى لا تطول فترة الخصام، نظرًا لمكانته ككبير للعائلة، وطلبت منه ألّا يُخبر أحدًا بما حدث، وقد وعدني بالتدخل، لكن مرّت الأيام والأسابيع، ولم يحدث شيء؛ لم يتحدّث إلى ابنتي، ولم يُخبر زوجتي، ونسي الأمر تمامًا.

ومرّت الأيام ومرضت، فبدأت ابنتي بالحديث إليّ، وبعد فترة قصيرة بدأت تحدث أشياء غريبة، مثل: انتشار الهاموش (حشرات) في المنزل، رغم استخدام جميع الوسائل الممكنة للقضاء عليه دون جدوى، كما ظهرت دمامل في جسدي، لا أعرف لها سببًا، وقد علمت أن ما يحدث هو بسبب عين حاقدة أو حاسدة.

وقرأت آيات السحر على كوبٍ من الماء، وما إن انتهيت وبدأت برش الماء على الأرض، حتى بدأ الهاموش يتساقط بكثرة في كوب الماء، بعدها رأيت حلمًا مفاده أن من يحسدني هو رجل وامرأة، وكان الرجل هو والد زوجتي.

ومنذ ذلك الحين بدأت لا أشعر تجاهه بأي عاطفة، وأصبحت أتجنب الذهاب إليه، ثم بدأتُ لا أرى فيه سوى الجوانب السلبية، حتى بدأ شعور الكره يسيطر عليّ، وقد لاحظت زوجتي ذلك، وأنا لا أرغب في إخبارها؛ لأنها تحبه حبًا شديدًا.

الآن أنا في حيرة من أمري، ولا أدري ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأعانك على ما تجد من همّ وحيرة.

الأخ الكريم: مشكلتك فيها جوانب متشابكة: أسرية، نفسية، دينية؛ لذا دعنا نرتب لك الكلام، حتى تتضح لك الصورة:

أولاً: ما حدث بينك وبين والد زوجتك:
نحن لا ندري على سبيل القطع هل تدخل والد الزوجة أم لا، ولو افترضنا عدم تدخله، فقد ذكرت أن الرجل كبير العائلة، ومن الوارد في مثل حالته أن يقصّر أحيانًا، أو ينسى، أو يرى أن تدخله قد يزيد الأمر سوءًا، فيختار الصمت مؤقتًا، وهذا التقصير لا يبرر أن يتحول قلبك إلى كراهية مطلقة، خاصة وأنه يبقى والد زوجتك، ثم تذكّر أن إصلاح علاقتك به هو في حقيقته إصلاح لعلاقتك بزوجتك، وحماية لاستقرار بيتك.

ثانياً: ما يتعلق بالعين والحسد:
لا شك أن الحسد حق، والرقية الشرعية نافعة -بإذن الله-، لكن لا يجوز أن تبني يقينك وعداوتك على مجرد حلم، فالأحلام قد تكون من الله رحمة، وقد تكون من النفس، وقد تكون من الشيطان، فلا يصلح أن تُتخذ دليلًا قاطعًا على اتهام أحد.

أما ما رأيته من الهاموش أو الدمامل: فقد يكون له أسباب طبيعية، وقد يكون ابتلاء، وفي كل حال، العلاج هو: الأذكار، قراءة المعوذتين، سورة البقرة، الدعاء، الصدقة.

ثالثاً: أثر الكراهية على قلبك:
الكراهية إذا استقرت في القلب أعمَت الإنسان عن رؤية أي خير في من يكره، وصارت العلاقة مشحونة لا تحتمل، وهذا ما بدأ ينعكس على حياتك مع زوجتك، إذ شعرت بنفورك من والدها، وهي لا تحتمل ذلك؛ لأنها تحبه وتقدره، الحل هنا ليس أن تخفي الأمر فقط، بل أن تعالج نفسك من الداخل، وتكسر دائرة الكراهية.

رابعاً: خطوات عملية للخروج من الدائرة:
- تذكّر الفضل: مهما قصّر والد زوجتك، يبقى والدها، وربما له مواقف خير سابقة لا تراها الآن بسبب الغضب، قلّل الاحتكاك: إن كان لقاؤك به يثير فيك المشاعر السلبية، فاجعله على قدر الحاجة، لكن بلا قطيعة ولا جفاء ظاهر.
- الاستعاذة بالله: كلما وسوس لك الشيطان بزيادة الكراهية، التجئ إلى الله وقل: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم}.
- الإكثار من الدعاء له: نعم، الدعاء لمن تكره يطهّر القلب، قل: "اللهم اغفر له واهد قلبه"، ستجد قلبك يلين شيئًا فشيئًا.
- المصارحة بضوابط: لا أنصحك أن تخبر زوجتك أنك تظن أن والدها يحسدك، فهذا يهدم ثقتها بك، ويزرع شقاقًا كبيرًا، إنما يكفي أن تقول لها: إنك تتأثر أحيانًا من بعض مواقفه، وتحتاج وقتًا لتتجاوز.
- الرقية الشرعية: داوم على الأذكار، واقرأ سورة البقرة في بيتك بانتظام، وأحسن الظن بالله.

وفي الختام: نذكرك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، وأنت الآن بحاجة إلى أن تملك نفسك أمام مشاعر الكره، وأن تردها إلى طمأنينة الإيمان.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً