[ ص: 186 ] النوع التاسع والخمسون في
nindex.php?page=treesubj&link=28875فواصل الآي .
الفاصلة : كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع .
وقال
الداني : كلمة آخر الجملة .
قال
الجعبري : وهو خلاف المصطلح ، ولا دليل له في تمثيل
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ب ( يوم يأت ) [ هود : 105 ] ، و ( ما كنا نبغ ) [ الكهف : 64 ] ، وليسا رأس آي ؛ لأن مراده الفواصل اللغوية لا الصناعية .
وقال
القاضي أبو بكر : الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع يقع بها إفهام المعاني .
وفرق
الداني بين
nindex.php?page=treesubj&link=28875الفواصل ورءوس الآي ، فقال : الفاصلة هي الكلام المنفصل عما بعده ، والكلام المنفصل قد يكون رأس آية وغير رأس ، وكذلك الفواصل يكن رءوس آي وغيرها ، وكل رأس آية فاصلة وليس كل فاصلة رأس آية .
قال : ولأجل كون معنى الفاصلة هذا ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في تمثيل القوافي :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يوم يأت و
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=64ما كنا نبغ ، وليسا رأس آيتين بإجماع ، مع : ( إذا يسر ) [ الفجر : 4 ] ، وهو رأس آية باتفاق .
وقال
الجعبري :
nindex.php?page=treesubj&link=28875لمعرفة الفواصل طريقان : توقيفي وقياسي .
أما التوقيفي : فما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف عليه دائما تحققنا أنه فاصلة ، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة ، وما وقف عليه مرة ووصله مرة أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة ، أو لتعريف الوقف التام ، أو للاستراحة ، والوصل أن يكون غير فاصلة أو فاصلة وصلها لتقدم تعريفها .
وأما القياسي : ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب ، ولا محذور في ذلك ؛ لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان ، وإنما غايته أنه محل فصل أو وصل
[ ص: 187 ] والوقف على كل كلمة جائز ، ووصل القرآن كله جائز فاحتاج القياس إلى طريق تعرفه ، فنقول : فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر وقافية البيت في الشعر ، وما يذكر من عيوب القافية - من اختلاف الحركة والإشباع والتوجيه - فليس بعيب في الفاصلة ، وجاز الانتقال في الفاصلة والقرينة وقافية الأرجوزة من نوع إلى آخر ، بخلاف قافية القصيدة .
ومن ثم ترى : ( يرجعون ) مع : ( عليم ) [ آل عمران : 72 ، 73 ] ، و ( الميعاد ) مع ( الثواب ) [ آل عمران : 194 ، 195 ] ، و ( الطارق ) مع ( الثاقب ) [ الطارق : 1 ، 3 ] .
والأصل في الفاصلة والقرينة المتجردة في الآية والسجعة المساواة ، ومن ثم أجمع العادون على ترك عد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133ويأت بآخرين ) [ النساء : 133 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172ولا الملائكة المقربون ) في النساء [ 172 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59كذب بها الأولون ) ب ( سبحان ) [ الإسراء : 59 ] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=97لتبشر به المتقين بمريم [ 97 ] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113لعلهم يتقون ب ( طه ) [ 113 ] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=11من الظلمات إلى النور [ الطلاق : 11 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=12أن الله على كل شيء قدير بالطلاق [ 12 ] ، حيث لم يشاكل طرفيه .
وعلى ترك عد :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=83أفغير دين الله يبغون بآل عمران [ 83 ] ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=50أفحكم الجاهلية يبغون بالمائدة [ 50 ] ، وعدوا نظائرها للمناسبة ، نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190لأولي الألباب ) بآل عمران [ 190 ] ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=15على الله كذبا ) بالكهف [ 15 ] ، و ( السلوى ) ب ( طه ) [ 80 ] .
وقال غيره : تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها ، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام ، وتسمى فواصل ؛ لأنه ينفصل عنده الكلامان ، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها ، وأخذا من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=3كتاب فصلت آياته [ فصلت : 3 ] .
ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا ؛ لأن الله تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا لأنها منه ، وخاصة في الاصطلاح ، وكما يمتنع
nindex.php?page=treesubj&link=28905استعمال القافية فيه يمتنع استعمال الفاصلة في الشعر ؛ لأنها صفة لكتاب الله تعالى فلا تتعداه .
وهل يجوز استعمال
nindex.php?page=treesubj&link=28905السجع في القرآن ؟ خلاف ؛ الجمهور على المنع ؛ لأن أصله من سجع الطير ، فشرف القرآن أن يستعار لشيء منه لفظ أصله مهمل ، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في وصفه بذلك ، ولأن القرآن من صفاته تعالى فلا يجوز
[ ص: 188 ] وصفه بصفة لم يرد الإذن بها .
قال
الرماني في إعجاز القرآن : ذهب
الأشعرية إلى امتناع أن يقال : في القرآن سجع ، وفرقوا بأن السجع هو الذي يقصد فيه نفسه ، ثم يحال المعنى عليه ، والفواصل التي تتبع المعاني ، ولا تكون مقصودة في نفسها .
قال : ولذلك كانت الفواصل بلاغة والسجع عيبا .
وتبعه على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر الباقلاني ، ونقله عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبي الحسن الأشعري وأصحابنا كلهم . قال : وذهب كثير من غير
الأشاعرة إلى إثبات السجع في القرآن ، وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام ، وأنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالجناس والالتفات ونحوهما .
قال : وأقوى ما استدلوا به الاتفاق على أن
موسى أفضل من
هارون ، لمكان السجع قيل في موضع :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=70هارون وموسى [ طه : 70 ] ، ولما كانت الفواصل في موضع آخر بالواو والنون قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=48موسى وهارون [ الشعراء : 48 ] .
قالوا : وهذا يفارق أمر الشعر ؛ لأنه لا يجوز أن يقع في الخطاب إلا مقصودا إليه ، وإذا وقع غير مقصود إليه كان دون القدر الذي نسميه شعرا ، وذلك القدر مما يتفق وجوده من المفحم ، كما يتفق وجوده من الشاعر . وأما ما جاء في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق غير مقصود إليه . وبنوا الأمر في ذلك على
nindex.php?page=treesubj&link=28905تحديد معنى السجع . فقال أهل اللغة : هو موالاة الكلام على حد واحد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : سجعت الحمامة معناه : رددت صوتها .
قال القاضي : وهذا غير صحيح ، ولو كان القرآن سجعا لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ، ولو كان داخلا فيها لم يقع بذلك إعجاز .
ولو جاز أن يقال : هو سجع معجز لجاز أن يقولوا : شعر معجز . وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب .
ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر; لأن الكهانة تنافي النبوات بخلاف الشعر .
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979751أسجع كسجع الكهان فجعله مذموما .
[ ص: 189 ] وقال : وما توهموا أنه سجع باطل ؛ لأن مجيئه على صورته لا يقتضي كونه هو ؛ لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع ، وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن ؛ لأن اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى .
وفرق بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود منه ، وبين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ . ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره ، ومتى انتظم في المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى .
قال : وللسجع منهج محفوظ وطريق مضبوط ، من أخل به وقع الخلل في كلامه ، ونسب إلى الخروج عن الفصاحة ، كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا ، وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة ، بعضها متداني المقاطع ، وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه ، وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير ، وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود .
قال : وأما ما ذكروه من تقديم
موسى على
هارون في موضع ، وتأخيره عنه في موضع لمكان السجع ، وتساوي مقاطع الكلام ، فليس بصحيح ، بل الفائدة فيه إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا ، وذلك من الأمر الصعب الذي تظهر فيه الفصاحة وتتبين فيه البلاغة ، ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة ، تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان بمثله مبتدأ به ومتكررا ، ولو أمكنهم المعارضة لقصدوا تلك القصة ، وعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي إلى تلك المعاني ونحوها ، فعلى هذا القصد - بتقديم بعض الكلمات على بعض وتأخيرها - إظهار الإعجاز دون السجع إلى أن قال :
فبان بذلك أن الحروف الواقعة في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الأسجاع لا تخرجها عن حدها ، ولا تدخلها في باب السجع ، وقد بينا أنهم يذمون كل سجع خرج عن اعتدال الأجزاء ، فكان بعض مصاريعه كلمتين وبعضها أربع كلمات ، ولا يرون ذلك فصاحة ، بل يرونه عجزا ، فلو فهموا اشتمال القرآن على السجع لقالوا : نحن نعارضه بسجع معتدل يزيد في الفصاحة على طريقة القرآن . انتهى كلام القاضي في كتاب الإعجاز .
[ ص: 190 ] ونقل صاحب " عروس الأفراح " عنه أنه ذهب في الانتصار إلى جواز
nindex.php?page=treesubj&link=28914تسمية الفواصل سجعا .
وقال
الخفاجي في سر الفصاحة : قول
الرماني : إن السجع عيب والفواصل بلاغة غلط ، فإنه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود متكلف فذلك بلاغة والفواصل مثله ، وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف فذلك عيب ، والفواصل مثله ، وأظن الذي دعاهم إلى تسمية جل ما في القرآن فواصل ، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم ، وهذا غرض في التسمية قريب ، والحقيقة ما قلناه .
قال : والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل .
قال : فإن قيل : إذا كان عندكم أن السجع محمود فهلا ورد القرآن كله مسجوعا ؟ وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع ؟
قلنا : إن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عرفهم وعاداتهم ، وكان الفصيح منهم لا يكون كلامه كله مسجوعا لما فيه من أمارات التكلف والاستكراه ، لا سيما مع طول الكلام ، فلم يرد كله مسجوعا جريا منه على عرفهم في اللطافة الغالبة أو الطبقة العالية من كلامهم ، ولم يخل من السجع لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13362ابن النفيس : يكفي في حسن السجع ورود القرآن به ، قال : ولا يقدح في ذلك خلوه في بعض الآيات ؛ لأن الحسن قد يقتضي المقام الانتقال إلى أحسن منه .
وقال
حازم : من الناس من يكره تقطيع الكلام إلى مقادير متناسبة الأطراف غير متقاربة في الطول والقصر ، لما فيه من التكلف إلا ما يقع إلمام به في النادر من الكلام ، ومنهم من يرى أن التناسب الواقع بإفراغ الكلام في قالب التفقيه وتحليتها بمناسبات المقاطع أكيد جدا .
ومنهم - وهو الوسط - من يرى أن السجع وإن كان زينة للكلام فقد يدعو إلى التكلف ، فرأى ألا يستعمل في جملة الكلام ، وألا يخلو الكلام منه جملة ، وأنه يقبل منه ما اجتلبه الخاطر عفوا بلا تكلف .
قال : وكيف يعاب السجع على الإطلاق ، وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب ، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلامهم ، وإنما لم يجئ على
[ ص: 191 ] أسلوب واحد لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف ، ولما في الطبع من الملل ، ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد ، فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع ، وبعضها غير متماثل .
[ ص: 186 ] النَّوْعُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28875فَوَاصِلِ الْآيِ .
الْفَاصِلَةُ : كَلِمَةٌ آخِرَ الْآيَةِ كَقَافِيَةِ الشِّعْرِ وَقَرِينَةِ السَّجْعِ .
وَقَالَ
الدَّانِيُّ : كَلِمَةٌ آخِرَ الْجُمْلَةِ .
قَالَ
الْجَعْبَرِيُّ : وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي تَمْثِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ بِ ( يَوْمَ يَأْتِ ) [ هُودٍ : 105 ] ، وَ ( مَا كُنَّا نَبْغِ ) [ الْكَهْفِ : 64 ] ، وَلَيْسَا رَأْسَ آيٍ ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْفَوَاصِلُ اللُّغَوِيَّةُ لَا الصِّنَاعِيَّةُ .
وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : الْفَوَاصِلُ حُرُوفٌ مُتَشَاكِلَةٌ فِي الْمَقَاطِعِ يَقَعُ بِهَا إِفْهَامُ الْمَعَانِي .
وَفَرَّقَ
الدَّانِيُّ بَيْنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28875الْفَوَاصِلِ وَرُءُوسِ الْآيِ ، فَقَالَ : الْفَاصِلَةُ هِيَ الْكَلَامُ الْمُنْفَصِلُ عَمَّا بَعْدَهُ ، وَالْكَلَامُ الْمُنْفَصِلُ قَدْ يَكُونُ رَأْسَ آيَةٍ وَغَيْرَ رَأْسٍ ، وَكَذَلِكَ الْفَوَاصِلُ يَكُنَّ رُءُوسَ آيٍ وَغَيْرَهَا ، وَكُلُّ رَأْسِ آيَةٍ فَاصِلَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ فَاصِلَةٍ رَأْسَ آيَةٍ .
قَالَ : وَلِأَجْلِ كَوْنِ مَعْنَى الْفَاصِلَةِ هَذَا ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي تَمْثِيلِ الْقَوَافِي :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105يَوْمَ يَأْتِ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=64مَا كُنَّا نَبْغِ ، وَلَيْسَا رَأْسَ آيَتَيْنِ بِإِجْمَاعٍ ، مَعَ : ( إِذَا يَسْرِ ) [ الْفَجْرِ : 4 ] ، وَهُوَ رَأْسُ آيَةٍ بِاتِّفَاقٍ .
وَقَالَ
الْجَعْبَرِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=28875لِمَعْرِفَةِ الْفَوَاصِلِ طَرِيقَانِ : تَوْقِيفِيٌّ وَقِيَاسِيٌّ .
أَمَّا التَّوْقِيفِيُّ : فَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ دَائِمًا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ فَاصِلَةٌ ، وَمَا وَصَلَهُ دَائِمًا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاصِلَةٍ ، وَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ مَرَّةً وَوَصَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى احْتَمَلَ الْوَقْفُ أَنْ يَكُونَ لِتَعْرِيفِ الْفَاصِلَةِ ، أَوْ لِتَعْرِيفِ الْوَقْفِ التَّامِّ ، أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ ، وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَاصِلَةٍ أَوْ فَاصِلَةً وَصَلَهَا لِتَقَدُّمِ تَعْرِيفِهَا .
وَأَمَّا الْقِيَاسِيُّ : مَا أُلْحِقَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ لِمُنَاسِبٍ ، وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَلَا نُقْصَانَ ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ مَحَلُّ فَصْلٍ أَوْ وَصْلٍ
[ ص: 187 ] وَالْوَقْفُ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ جَائِزٌ ، وَوَصْلُ الْقُرْآنِ كُلِّهِ جَائِزٌ فَاحْتَاجَ الْقِيَاسُ إِلَى طَرِيقٍ تَعْرِفُهُ ، فَنَقُولُ : فَاصِلَةُ الْآيَةِ كَقَرِينَةِ السَّجْعَةِ فِي النَّثْرِ وَقَافِيَةِ الْبَيْتِ فِي الشِّعْرِ ، وَمَا يُذْكَرُ مِنْ عُيُوبِ الْقَافِيَةِ - مِنَ اخْتِلَافِ الْحَرَكَةِ وَالْإِشْبَاعِ وَالتَّوْجِيهِ - فَلَيْسَ بِعَيْبٍ فِي الْفَاصِلَةِ ، وَجَازَ الِانْتِقَالُ فِي الْفَاصِلَةِ وَالْقَرِينَةِ وَقَافِيَةِ الْأُرْجُوزَةِ مِنْ نَوْعٍ إِلَى آخَرَ ، بِخِلَافِ قَافِيَةِ الْقَصِيدَةِ .
وَمِنْ ثَمَّ تَرَى : ( يَرْجِعُونَ ) مَعَ : ( عَلِيمٌ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 72 ، 73 ] ، وَ ( الْمِيعَادَ ) مَعَ ( الثَّوَابِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 194 ، 195 ] ، وَ ( الطَّارِقِ ) مَعَ ( الثَّاقِبُ ) [ الطَّارِقِ : 1 ، 3 ] .
وَالْأَصْلُ فِي الْفَاصِلَةِ وَالْقَرِينَةِ الْمُتَجَرِّدَةِ فِي الْآيَةِ وَالسَّجْعَةِ الْمُسَاوَاةُ ، وَمِنْ ثَمَّ أَجْمَعَ الْعَادُّونَ عَلَى تَرْكِ عَدِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ) [ النِّسَاءِ : 133 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ) فِي النِّسَاءِ [ 172 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) بِ ( سُبْحَانَ ) [ الْإِسْرَاءِ : 59 ] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=97لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ بِمَرْيَمَ [ 97 ] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=113لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ بِ ( طه ) [ 113 ] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=11مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [ الطَّلَاقِ : 11 ] ،
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=12أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ بِالطَّلَاقِ [ 12 ] ، حَيْثُ لَمْ يُشَاكِلْ طَرَفَيْهِ .
وَعَلَى تَرْكِ عَدِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=83أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ بِآلِ عِمْرَانَ [ 83 ] ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=50أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ بِالْمَائِدَةِ [ 50 ] ، وَعَدُّوا نَظَائِرَهَا لِلْمُنَاسَبَةِ ، نَحْوَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) بِآلِ عِمْرَانَ [ 190 ] ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=15عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) بِالْكَهْفِ [ 15 ] ، وَ ( السَّلْوَى ) بِ ( طه ) [ 80 ] .
وَقَالَ غَيْرُهُ : تَقَعُ الْفَاصِلَةُ عِنْدَ الِاسْتِرَاحَةِ بِالْخِطَابِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ بِهَا ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي يُبَايِنُ الْقُرْآنُ بِهَا سَائِرَ الْكَلَامِ ، وَتُسَمَّى فَوَاصِلَ ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ عِنْدَهُ الْكَلَامَانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ فُصِلَ بَيْنِهَا وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا ، وَأَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=3كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ [ فُصِّلَتْ : 3 ] .
وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهَا قَوَافِيَ إِجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا سَلَبَ عَنْهُ اسْمَ الشِّعْرِ وَجَبَ سَلْبُ الْقَافِيَةِ عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا مِنْهُ ، وَخَاصَّةً فِي الِاصْطِلَاحِ ، وَكَمَا يَمْتَنِعُ
nindex.php?page=treesubj&link=28905اسْتِعْمَالُ الْقَافِيَةِ فِيهِ يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْفَاصِلَةِ فِي الشِّعْرِ ؛ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّاهُ .
وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ
nindex.php?page=treesubj&link=28905السَّجْعِ فِي الْقُرْآنِ ؟ خِلَافٌ ؛ الْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ سَجْعِ الطَّيْرِ ، فَشَرُفَ الْقُرْآنُ أَنْ يُسْتَعَارَ لِشَيْءٍ مِنْهُ لَفْظٌ أَصْلُهُ مُهْمَلٌ ، وَلِأَجْلِ تَشْرِيفِهِ عَنْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْحَادِثِ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ
[ ص: 188 ] وَصْفُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَرِدِ الْإِذْنُ بِهَا .
قَالَ
الرُّمَّانِيُّ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ : ذَهَبَ
الْأَشْعَرِيَّةُ إِلَى امْتِنَاعِ أَنْ يُقَالَ : فِي الْقُرْآنِ سَجْعٌ ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ السَّجْعَ هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ نَفْسُهُ ، ثُمَّ يُحَالُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ ، وَالْفَوَاصِلَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمَعَانِيَ ، وَلَا تَكُونُ مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهَا .
قَالَ : وَلِذَلِكَ كَانَتِ الْفَوَاصِلُ بَلَاغَةً وَالسَّجْعُ عَيْبًا .
وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ . قَالَ : وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ
الْأَشَاعِرَةِ إِلَى إِثْبَاتِ السَّجْعِ فِي الْقُرْآنِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَبِينُ بِهِ فَضْلُ الْكَلَامِ ، وَأَنَّهُ مِنَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّفَاضُلُ فِي الْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ كَالْجِنَاسِ وَالِالْتِفَاتِ وَنَحْوِهِمَا .
قَالَ : وَأَقْوَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ
مُوسَى أَفْضَلُ مِنْ
هَارُونَ ، لِمَكَانِ السَّجْعِ قِيلَ فِي مَوْضِعِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=70هَارُونَ وَمُوسَى [ طه : 70 ] ، وَلَمَّا كَانَتِ الْفَوَاصِلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=48مُوسَى وَهَارُونَ [ الشُّعَرَاءِ : 48 ] .
قَالُوا : وَهَذَا يُفَارِقُ أَمْرَ الشِّعْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْخِطَابِ إِلَّا مَقْصُودًا إِلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ كَانَ دُونَ الْقَدْرِ الَّذِي نُسَمِّيهِ شِعْرًا ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ مِمَّا يَتَّفِقُ وُجُودُهُ مِنَ الْمُفْحِمِ ، كَمَا يَتَّفِقُ وَجُودُهُ مِنَ الشَّاعِرِ . وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ السَّجْعِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّفِقَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ . وَبَنَوُا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28905تَحْدِيدِ مَعْنَى السَّجْعِ . فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هُوَ مُوَالَاةُ الْكَلَامِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13147ابْنُ دُرَيْدٍ : سَجَعَتِ الْحَمَامَةُ مَعْنَاهُ : رَدَّدَتْ صَوْتَهَا .
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ سَجْعًا لَكَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِهِمْ ، وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ إِعْجَازٌ .
وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ : هُوَ سَجْعٌ مُعْجِزٌ لَجَازَ أَنْ يَقُولُوا : شِعْرٌ مُعْجِزٌ . وَكَيْفَ وَالسَّجْعُ مِمَّا كَانَ تَأْلَفُهُ الْكُهَّانُ مِنَ الْعَرَبِ .
وَنَفْيُهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَجْدَرُ بِأَنْ يَكُونَ حُجَّةً مِنْ نَفْيِ الشِّعْرِ; لِأَنَّ الْكَهَانَةَ تُنَافِي النُّبُوَّاتِ بِخِلَافِ الشِّعْرِ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=979751أَسَجْعٌ كَسَجْعِ الْكُهَّانِ فَجَعَلَهُ مَذْمُومًا .
[ ص: 189 ] وَقَالَ : وَمَا تَوَهَّمُوا أَنَّهُ سَجْعٌ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَجِيئَهُ عَلَى صُورَتِهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ هُوَ ؛ لِأَنَّ السَّجْعَ يَتْبَعُ الْمَعْنَى فِيهِ اللَّفْظَ الَّذِي يُؤَدِّي السَّجْعَ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا اتَّفَقَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَى السَّجْعِ مِنَ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَقَعَ فِيهِ تَابِعًا لِلْمَعْنَى .
وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَنْتَظِمَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ بِأَلْفَاظِهِ الَّتِي تُؤَدِّي الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْهُ ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مُنْتَظِمًا دُونَ اللَّفْظِ . وَمَتَى ارْتَبَطَ الْمَعْنَى بِالسَّجْعِ كَانَ إِفَادَةُ السَّجْعِ كَإِفَادَةِ غَيْرِهِ ، وَمَتَى انْتَظَمَ فِي الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ دُونَ السَّجْعِ كَانَ مُسْتَجْلَبًا لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ دُونَ تَصْحِيحِ الْمَعْنَى .
قَالَ : وَلِلسَّجْعِ مَنْهَجٌ مَحْفُوظٌ وَطَرِيقٌ مَضْبُوطٌ ، مَنْ أَخَلَّ بِهِ وَقَعَ الْخَلَلُ فِي كَلَامِهِ ، وَنُسِبَ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْفَصَاحَةِ ، كَمَا أَنَّ الشَّاعِرَ إِذَا خَرَجَ عَنِ الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ كَانَ مُخْطِئًا ، وَأَنْتَ تَرَى فَوَاصِلَ الْقُرْآنِ مُتَفَاوِتَةً ، بَعْضُهَا مُتَدَانِي الْمَقَاطِعِ ، وَبَعْضُهَا يَمْتَدُّ حَتَّى يَتَضَاعَفَ طُولُهُ عَلَيْهِ ، وَتَرِدَ الْفَاصِلَةُ فِي ذَلِكَ الْوَزْنِ الْأَوَّلِ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ ، وَهَذَا فِي السَّجْعِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَا مَحْمُودٍ .
قَالَ : وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَقْدِيمِ
مُوسَى عَلَى
هَارُونَ فِي مَوْضِعٍ ، وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ لِمَكَانِ السَّجْعِ ، وَتَسَاوِي مَقَاطِعِ الْكَلَامِ ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلِ الْفَائِدَةُ فِيهِ إِعَادَةُ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ تُؤَدِّي مَعْنًى وَاحِدًا ، وَذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ الصَّعْبِ الَّذِي تَظْهَرُ فِيهِ الْفَصَاحَةُ وَتَتَبَيَّنُ فِيهِ الْبَلَاغَةُ ، وَلِهَذَا أُعِيدَتْ كَثِيرٌ مِنَ الْقِصَصِ عَلَى تَرْتِيبَاتٍ مُتَفَاوِتَةٍ ، تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى عَجْزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مُبْتَدَأً بِهِ وَمُتَكَرِّرًا ، وَلَوْ أَمْكَنَهُمُ الْمُعَارَضَةُ لَقَصَدُوا تِلْكَ الْقِصَّةَ ، وَعَبَّرُوا عَنْهَا بِأَلْفَاظٍ لَهُمْ تُؤَدِّي إِلَى تِلْكَ الْمَعَانِي وَنَحْوِهَا ، فَعَلَى هَذَا الْقَصْدِ - بِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ عَلَى بَعْضٍ وَتَأْخِيرِهَا - إِظْهَارُ الْإِعْجَازِ دُونَ السَّجْعِ إِلَى أَنْ قَالَ :
فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحُرُوفَ الْوَاقِعَةَ فِي الْفَوَاصِلِ مُتَنَاسِبَةٌ مَوْقِعَ النَّظَائِرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْأَسْجَاعِ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ حَدِّهَا ، وَلَا تُدْخِلُهَا فِي بَابِ السَّجْعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمْ يَذُمُّونَ كُلَّ سَجْعٍ خَرَجَ عَنِ اعْتِدَالِ الْأَجْزَاءِ ، فَكَانَ بَعْضُ مَصَارِيعِهِ كَلِمَتَيْنِ وَبَعْضُهَا أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ، وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ فَصَاحَةً ، بَلْ يَرَوْنَهُ عَجْزًا ، فَلَوْ فَهِمُوا اشْتِمَالَ الْقُرْآنِ عَلَى السَّجْعِ لَقَالُوا : نَحْنُ نُعَارِضُهُ بِسَجْعٍ مُعْتَدِلٍ يَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ . انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ .
[ ص: 190 ] وَنَقَلَ صَاحِبُ " عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ " عَنْهُ أَنَّهُ ذَهَبَ فِي الِانْتِصَارِ إِلَى جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=28914تَسْمِيَةِ الْفَوَاصِلِ سَجْعًا .
وَقَالَ
الْخَفَاجِيُّ فِي سِرِّ الْفَصَاحَةِ : قَوْلُ
الرُّمَّانِيِّ : إِنَّ السَّجْعَ عَيْبٌ وَالْفَوَاصِلَ بَلَاغَةٌ غَلَطٌ ، فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالسَّجْعِ مَا يَتْبَعُ الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ مُتَكَلَّفٌ فَذَلِكَ بَلَاغَةٌ وَالْفَوَاصِلُ مِثْلُهُ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَا تَقَعُ الْمَعَانِي تَابِعَةً لَهُ وَهُوَ مَقْصُودٌ مُتَكَلَّفٌ فَذَلِكَ عَيْبٌ ، وَالْفَوَاصِلُ مِثْلُهُ ، وَأَظُنُّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى تَسْمِيَةِ جُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ فَوَاصَلَ ، وَلَمْ يُسَمُّوا مَا تَمَاثَلَتْ حُرُوفُهُ سَجْعًا رَغْبَتَهُمْ فِي تَنْزِيهِ الْقُرْآنِ عَنِ الْوَصْفِ اللَّاحِقِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْمَرْوِيِّ عَنِ الْكَهَنَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَهَذَا غَرَضٌ فِي التَّسْمِيَةِ قَرِيبٌ ، وَالْحَقِيقَةُ مَا قُلْنَاهُ .
قَالَ : وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْأَسْجَاعَ حُرُوفٌ مُتَمَاثِلَةٌ فِي مَقَاطِعِ الْفَوَاصِلِ .
قَالَ : فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ عِنْدَكُمْ أَنَّ السَّجْعَ مَحْمُودٌ فَهَلَّا وَرَدَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَسْجُوعًا ؟ وَمَا الْوَجْهُ فِي وُرُودِ بَعْضِهِ مَسْجُوعًا وَبَعْضِهِ غَيْرَ مَسْجُوعٍ ؟
قُلْنَا : إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَعَلَى عُرْفِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ ، وَكَانَ الْفَصِيحُ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ كُلُّهُ مَسْجُوعًا لِمَا فِيهِ مِنْ أَمَارَاتِ التَّكَلُّفِ وَالِاسْتِكْرَاهِ ، لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الْكَلَامِ ، فَلَمْ يَرِدْ كُلُّهُ مَسْجُوعًا جَرْيًا مِنْهُ عَلَى عُرْفِهِمْ فِي اللَّطَافَةِ الْغَالِبَةِ أَوِ الطَّبَقَةِ الْعَالِيَةِ مِنْ كَلَامِهِمْ ، وَلَمْ يَخْلُ مِنَ السَّجْعِ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ عَلَى الصِّفَةِ السَّابِقَةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13362ابْنُ النَّفِيسِ : يَكْفِي فِي حُسْنِ السَّجْعِ وُرُودُ الْقُرْآنِ بِهِ ، قَالَ : وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ خُلُوُّهُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ قَدْ يَقْتَضِي الْمَقَامُ الِانْتِقَالَ إِلَى أَحْسَنَ مِنْهُ .
وَقَالَ
حَازِمٌ : مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكْرَهُ تَقْطِيعَ الْكَلَامِ إِلَى مَقَادِيرَ مُتَنَاسِبَةِ الْأَطْرَافِ غَيْرِ مُتَقَارِبَةٍ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ إِلَّا مَا يَقَعُ إِلْمَامٌ بِهِ فِي النَّادِرِ مِنَ الْكَلَامِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّنَاسُبَ الْوَاقِعَ بِإِفْرَاغِ الْكَلَامِ فِي قَالَبِ التَّفْقِيهِ وَتَحْلِيَتِهَا بِمُنَاسَبَاتِ الْمَقَاطِعِ أَكِيدٌ جِدًّا .
وَمِنْهُمْ - وَهُوَ الْوَسَطُ - مَنْ يَرَى أَنَّ السَّجْعَ وَإِنْ كَانَ زِينَةً لِلْكَلَامِ فَقَدْ يَدْعُو إِلَى التَّكَلُّفِ ، فَرَأَى أَلَّا يُسْتَعْمَلَ فِي جُمْلَةِ الْكَلَامِ ، وَأَلَّا يَخْلُوَ الْكَلَامُ مِنْهُ جُمْلَةً ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ مَا اجْتَلَبَهُ الْخَاطِرُ عَفْوًا بِلَا تَكَلُّفٍ .
قَالَ : وَكَيْفَ يُعَابُ السَّجْعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَإِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَسَالِيبِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَوَرَدَتِ الْفَوَاصِلُ فِيهِ بِإِزَاءِ وُرُودِ الْأَسْجَاعِ فِي كَلَامِهِمْ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِئْ عَلَى
[ ص: 191 ] أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْكَلَامِ جَمِيعًا أَنْ يَكُونَ مُسْتَمِرًّا عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ ، وَلِمَا فِي الطَّبْعِ مِنَ الْمَلَلِ ، وَلِأَنَّ الِافْتِنَانَ فِي ضُرُوبِ الْفَصَاحَةِ أَعْلَى مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى ضَرْبٍ وَاحِدٍ ، فَلِهَذَا وَرَدَتْ بَعْضُ آيِ الْقُرْآنِ مُتَمَاثِلَةَ الْمَقَاطِعِ ، وَبَعْضُهَا غَيْرَ مُتَمَاثِلٍ .